في ضم القضاء، وذلك يتأتى بإحضار الحق عند مستحقه ومبادرة التأدية عند الاستهلال، فإذا فرض أدنى استئخار مع استفراغ الوسع، فما أرى ذلك حنثاً؛ فإن الناس لا يطلقون هذا، وهم يكلفون أنفسهم دركَ الأولية التي لا اطلاع على حقيقتها بالمُنّة البشرية، وإذا كنا نُنْزل اسمَ الرؤوس على الرؤوس المعتادة ونَحيد عن حقيقة اللغة، فما ذكرناه أولى في حكم العُرف، ولكن غاية الاحتياط ما ذكرناه من إحضار المال عند مستحقه ومراقبة الاستهلال، وإن لم نعن رؤية الهلال، فقد يَغُم الهلال على الناس، فيستكملون الشهر الماضي ثلاثين يوماً، فالمعني بالهلال أول جزء من الشهر، وهو أول جزء من الليل، ثم سبيله ما ذكرناه.
وقد ذهب ذاهبون من العلماء إلى أنا نوسّع الأمرَ على الحالف الليلة ويومها، وهذا خارج عن الاعتدال، وقد لاح أنه قصد الضم، فهذا ما عندنا في ذلك.
١١٧٨٨ - ثم نقل المزني عن الشافعي أنه قال:" لو حلف لأقضينه عند رأس الهلال، أو إلى رأس الهلال " والجمع بين هاتين الجملتين مشكل؛ فإن ظاهر قوله: إلى رأس الهلال، إيقاع القضاء قبل رأس الهلال، ومعناه بسط الأداء على الأوقات المتقدمة على رأس الهلال وقوله:(عند) يقتضي الضم، والتقديمُ يفوّت البرّ.
وقد تعرض المزني بعد نقل الجمع بين الكلمتين للاعتراض الذي ذكرناه، فقد اختلف أصحابنا في المسألة، فقال المحققون: إن كانت المسألتان مطلقتين، فلا شك أن الفقه ما ذكره المزني، وإن زعم أنه أراد بقوله:" إلى رأس الهلال " مع رأس الهلال، ففي قبول ذلك وجهان: أحدهما - أنه لا يقبل، فإنَّ (إلى) صريح في المدّ والبسط والتأقيت والحدّ، وهي مناقضة للضم والجمع. والثاني - أن ذلك مقبول منه؛ فإنَّ (إلى) لا يمتنع إطلاقها بمعنى الجمع إذا لم تكن قرينة، قال الله تعالى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}[آل عمران: ٥٢] معناه مع الله وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢] معناه مع أموالكم.
وهذه الطريقة غير مرضيّة؛ فإن (إلى) محتملة لمعنى مع؛ فإذا نوى الحالف ذلك، فلا معنى للاختلاف في القبول؛ فإنا نكتفي في محامل الأيمان بالله تعالى بمواقع التديين في مسائل الطلاق والعتاق.