للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو قال: " لا أضرب فلاناً "، وكان ممّن يتعاطى مثلُه الضربَ، فأمر غيره حتى ضرب، لم يحنث، وإن كان محتشماً لا يتعاطى الضرب بنفسه، فأمر غيره حتى ضرب، فالنصّ، وما إليه مصير الأصحاب أنه لا يحنث، إذا كان اللفظ مطلقاً، وقال الربيع: إذا حصل الضرب بأمر من لا يتعاطى الضربَ، كان ذلك بمثابة صدور الضرب منه.

وهذا وإن ألحق بالمذهب بعيدٌ، لا تعويل عليه، [ثم] (١) إنما يجري في الفعل الذي وصفناه وأمثاله، فأما العقود، فيتعاطاها العظماء والأماثل.

ولو قال الرجل: لا أبني بيتاً، وكان لا يحسن البناء، أو لا أطين السطح، وهو ممن لا يُحسنه، فتخريج الربيع في أمثال هذه الصورة أظهر.

ولو قال: لا أتزوج، فانتصب وكيلاً، وقبل نكاح امرأة لموكله، لم يحنث، وليس ما جاء به تزوّجاً منه، وإنما هو سفارة، والنكاح مضاف إلى الموكل، وسِرُّ الفصل أنه عقد اليمين على التزوج المطلق، ولا يصح من الوكيل بالتزوج مطلقُ لفظ التزوج حتى يضيفَه، وما لا يستقل إلا مضافاً لا يندرج تحت المطلق الذي لم يضف.

والغرض من هذا يبينُ بصورتين، فإذا قال زيد: لا أتزوج، وقال عمرو لا أتزوج، ثم وكل زيد عمراً حتى يقبل له نكاح امرأة، فلا يحنث الموكل، ولا الوكيل، أما الموكِّل؛ فلأنه، لم يتعاط التزوّج، بل تزوّج الوكيلُ له، وأما الوكيل لم (٢) يتزوج مطلقاً، فلم يحنث واحد منهما، وقد قطع الأصحاب بهذا في الطرق.

١١٧٩١ - وذكر الصيدلاني هذا على هذا الوجه، فوافق الأصحابَ، ولكن وقع في كتابه ما يخالف هذا صريحاً، وأنا أذكره على وجهه، وأُنبه على الزَّلل فيه: قال: ولو قال: " والله لا أكلم امرأة تزوجها زيد، فقبل وكيل زيد له امرأةً، فكلمها الحالف، حنث ". هكذا قال، ثم أكّد وعَلَّل، وكرّر، وأنا أسوق معنى كلامه،


(١) في الأصل: " له ".
(٢) جواب أما بدون (الفاء)، واردٌ عند الإمام كثيراً، جرياً على لغة الكوفيين.