للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقول: إذا قال الحالف على الماضي: " والله ما فعلت "، وكان فعل، لا يلزمه الكفارة؛ لأن ما فعله يستحيل أن يقدّر عدمه بعد وجوده، وليس ذلك من المقدور، فيجب انتفاء الكفارة. وقد أجمع الأصحاب على وجوب الكفارة في يمين الغموس.

فقد انتظم من مجموع ما ذكرناه وجوب الكفارة في يمين الغموس، ثم لا يتجه عندنا الحكم في الغموس بالانعقاد، فإنا إن كنا نمنع انعقاد عقد لاقترانه بما يحله، فالغموس في عينه خُلف، فيستحيل فرض الانعقاد فيه، ولكن وجوب الكفارة لا يتوقف عندنا على تقدير عَقْدٍ وحَل، كما قررناه في (الأساليب).

وإذا حلف ليفعلن ما لا يستريب أنه ممتنع، ولكنّ وقوعَه ليس خارجاً عن قبيل المقدورات، فالكفارة تلزم، وفي الحكم بالانعقاد خلاف أشرتُ إليه، ومعظم الأصحاب على أن اليمين تنعقد، وتنحل، كما انعقدت على الفور، وهذا كقوله: لأصعدن السماء، أو لأقتلن فلاناً، وكان ميتاًً، وإن كان الحلف على محال ليس فيه إمكان، فالمذهب وجوب الكفارة، ثم لا يتجه الحكم بانعقاد اليمين بل يجب صرف وجوب الكفارة إلى مخالفة التعظيم -على حكم الخُلْف- لاسم الله تعالى المذكور تأكيداً على صيغة الحلف.

ومن أصحابنا من لم يوجب الكفارة، لانحسام مسلك الإمكان من كل وجه.

ولو قال: " والله لأصعدنّ السماء غداً " ففي تحنيثه في الحال خلاف مشهور بين الأصحاب، وقد قدمنا توجيه الخلاف بما فيه مقنع.

ومن الصور المعترضة أنه لو قال: لأقتلن فلاناً، وكان يحسبه حياً، ثم تبيّن أنه كان ميتاً حالة الحلف، فقد قال الأئمة: في وجوب الكفارة قولان مأخوذان من تحنيث الجاهل والناسي، ووجهه أنه عَقَد اليمينَ وهو يعتقد الإمكان، فخرج الخلاف على ما قدمناه، وليس كما لو كان على علم من موته، فإنه يكون مجرداً قصده إلى عقد اليمين على ممتنع.

***