للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١١٧٩٥ - ثم جمع الأئمة فصولاً في الباب متماثلة قريبة المأخذ، ونحن نذكرها ونستعين بالله تعالى، فإذا قال: لأصعدن السماء، فقد قال محالاً، ولكن يلزمه الكفارة على الفور، والذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أنه يحكم بانعقاد يمينه، ثم يحكم بانحلالها، وسبب الانعقاد أنها معقودة على المستقبل، والله تعالى قادر على أن يُقدر عبده على الرُّقي في السماء، ولكنا أَيسنا من حصوله، فانعقدت اليمين بما قدمناه من انتظام اللفظ، وانتجز الحِنث لليأس من البرّ.

وقال قائلون: تجب الكفارة، ولا نحكم بانعقاد اليمين؛ فإن سبب حَلِّها مقترن بها لو قُدّر حَلٌّ وعَقْد، وهذا القائل يقول: الكفارة إنما تلزم إذا حَنِث الحالف في اليمين المنعقدة على ممكن، لمخالفة المحلوف عليه الحلف، ومن قال: لأصعدن، فمعنى الحنث (١) قائم، والرجل منتسب إلى ترك التعظيم (٢).

ولو قال: " لأقتلنّ فلاناً "، وهو عالم بأنه ميت، فقد قال أصحابنا: هذا بمثابة ما لو قال: لأصعدن السماء، وبمثله لو قال: والله لأشربن ماء هذه الإداوة، ولم يكن فيها ماء، فقد اختلف أصحابنا (٣) في المسألة: فمنهم من قال: اليمين لا تنعقد، بل تلغو، ولا تجب الكفارة، وليسَ كالحلف على الصعود؛ فإن في مقدور الله تعالى الإقدار على ذلك، وكذلك قتل الميت مقدور لله تعالى، بتقدير أن يحييه ليقتله الحالف، وأما شرب ماء الإداوة ولا ماء، فمستحيل كيف قدر.

وذهب الأكثرون إلى أن الكفارة تلزم، ثم اختلفوا في أن اليمين هل تنعقد أم لا.

١١٧٩٦ - ولم يختلف الأصحاب في أن من قال: " والله ما قتلت وما فعلت " وكان قد فعل أن الكفارة تلزم، وهذه يمين الغموس، وليس من الحزم أن نسلم للخصم انتفاء الكفارة إذا قال: لأشربن ماء الإداوة بناء على أن الماء معدوم، ولو فتحنا هذا الباب، ونفينا الكفارة إذا كان المحلوف عليه بحيث يستحيل تصويره، فيلزم منه أن


(١) هـ ٤: " الحلف ".
(٢) هـ ٤: " التعاظم ".
(٣) هـ ٤: "أئمتنا".