للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما أكل، وإن كان جامداً، فأكله على جموده، فهو آكل، ولا يشترط في اسم الأكل المضغُ والترديد، بل لو بلعه على جموده فهو أكل.

ولو قال: لا آكل السمن، فأكله في العصيدة [أو] (١) الفالوذ، فهذا يستدعي تمهيدَ أصل يتضح به ما انتهينا إليه وأمثالِه، فنقول: من عقد اليمين على جنسٍ، فاختلط ذلك الجنس بغيره؛ فهذا يفرض على وجوه: أحدها - أن يختلط اختلاطاًً يصير مستهلكاً بحيث لا يظهر أثره في الحسّ، فإن كان كذلك، فلا يحصل الحنث، فإذا قال: لا آكل السمن، فاستعمل السمن في الدقيق والماء، وكان يُعَصِّد ويُلوي على النار، حتى لم يبق جرم السمن محسوساً، ولم يبق له أثر مدرك، فالحكم ما ذكرناه.

ولو بقي أثره كالطَّعم واللون، ولكن استجد ذلك المختلط اسماً، وكان لا يفرد أركانه المختلطة بالاسم، ففي حصول الحنث وجهان، إذا كان يتحقق الأكل فيه، والحلف على الأكل، أو كان يتحقق الشرب فيه، والحلف على الشرب. ولو كان ما حلف عليه ممتازاً في الحسّ، كالسمن الممتاز عن العصيد، فإذا أكل العصيد والسمن معه، فالمذهب أنه يحنث. وحكى العراقيون عن الإصطخري أنه قال: لا يحنث؛ لأن الأكل إذا أضيف في صيغة اليمين إلى جنس، اقتضى إفرادَه بالأكل، وهذا ضعيف مردود عليه.

ونقل القاضي والعراقيون عنه أنه لو حلف لا يأكل السمن، فأكله مع الخبز لا يحنث، وهذا على نهاية البعد، فإن السمن لا يؤكل إلا كذلك، ولا يُتَعاطى وحده فيُبلع، وقوله في أكل السمن بالخبز أبعدُ من قوله في أكل العصيد مع السمن الظاهر.

ولو قال: والله لا آكل الخل، وكان يروغ اللقمة فيه، فهذا أكلٌ، وإن كان الخل مائعاً في نفسه، ولكن إذا تشربه الخبز تناوله اسمُ الأكل.

ولو حلف لا يأكل الخل، فاتخذ منه مرقة وأكلها بالخبز، فقد نص الشافعي أنه لا يحنث في يمينه، وأطلق ذلك. ولم يفصّله، فصار معظم الأصحاب إلى أنه إن كان


(١) زيادة اقتضاها السياق.