للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحنَث؛ لأن هذا كلامُ قومٍ، والعبارات دلالات كالإشارات، واحتج على ذلك باستثناء الرمز من الكلام في قوله تعالى في قصة زكريا عليه السلام.

والقول الجديد أنه لا يحنث بالرمز؛ فإنه لا يسمى كلاماً، ومن فرّع مسائل الأيْمان على غير اتباع الاسم والعرف، فهو حائد عن وضع الكتاب، وإذا فرّعنا على الجديد، [فقد يتردد الفطن] (١) في إشارات الخُرس؛ من جهة أنا نقيم إشاراتهم مقام عبارات الناطقين، فيما يفتقر إلى النطق، وهذا مما [حذرت] (٢) منه الآن؛ فإنه تمسك بالأحكام التي قد تبنى على الضرورات ومسيس الحاجات.

والوجه القطع بأن الخرس إذا ترامزوا، لم يكن ذلك منهم كلاماًً، فإنما إشاراتهم خَلَفٌ عن العبارات، وعلى هذا إذا أشار الأخرس في الصلاة، فمن جعل الإشارة كلاماًً وحنَّث بها، فلا يبعد أن يقضي ببطلان صلاة الأخرس إذا باع في الصلاة، أو طلّق بالإشارة.

والكتابةُ في جميع ما ذكرناه في معنى الإشارة؛ فإنها وإن كانت تُفهم، فليست كلاماًً، فيجري فيها القولان والتفصيل.

وقال الأصحاب: المهاجرة التي حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين -وهي قطع المكالمة- لا تزول بالمكاتبة. ولو حلف ليهاجرن فلاناً، ثم كتب إليه، لم يحنث وفاقاً، وهذا بيّن للمتأمل. وإذا رمز إلى صاحبه، ففي قطع المهاجرة بالرمز تردد عندنا، والعلم عند الله.

فإن قيل: من ألحق الكتابة بالكلام، كيف لا يقطع المهاجرةَ بها؟ قلنا: رب شيء يكون كلاماً، فلا يقطع المهاجرة، كالشتم والسب، وكل ما يوغر القلب بشيء من ذلك لا يقطع المهاجرة، وإن كان كلاماًً، ولو قال: لا أكلم فلاناً، فزجره على إثر اليمين، كان ذلك مكالمة مُحْنِثة. وقال أبو حنيفة (٣) رضي الله عنه: إن اتصل الزجر


(١) في الأصل: " فهو تردد النظر ". والمثبت من (ق).
(٢) في الأصل: " صدرت " والمثبث من (ق). والمعنى أنه حذر من الحيد عن وضع الكتاب بأخذ أحكام الأيمان من غير اتباع الاسم والعرف، فقد أخذها من أحكام الضرورات.
(٣) لم نصل إلى قول أبي حنيفة في كتب الأحناف.