الاستسعاف بالطّلِبة، أو الاستدفاع لبلية محذورة، وذلك كقول القائل: إن شفى الله مريضي، أو ردّ غائبي، أو رزقني ولداً، أو ما في معناه، فلله عليّ كذا، فإذا ذَكَر على هذا المعرض ما يصح التزامه، كما سيأتي مشروحاً في كتاب النذر، إن شاء الله عز وجل؛ فإنه يلزمه ما سماه، إذا تحقق ما سأله وطلبه، وهذا إذا قال: إن شفى الله مريضي، فعليّ صدقة لله.
فإن لم يُضف ما التزمه إلى الله تعالى، فقد ذكر القاضي وجهين حكاهما: أحدهما - أنه نذر ملزم يجب فيه الوفاء بالمسمى، وهذا هو الأصح، لأنه لا يلتزم بالنذر إلا القربات، وأجناسُ القربات مُشعرة بوقوعها لله تعالى، فصار ذلك كالمصرح به.
والوجه الثاني - أن الالتزام لا يصح، ما لم يُضَف الملتزَم إلى الله تعالى؛ فإن القربات إنما تصير قربات بالإضافة إلى الله تعالى لا بألقابها.
والضرب الثاني - النذر المطلق الذي لا يُعلّق باستدفاع أو استسعافٍِ وسؤال، وهو أن يقول القائل: لله علي عتق رقبة، أو صدقة، أو غيرها، مما يلتزم. وفي هذا القسم قولان: أحدهما - أنه لا يلزمه شيء؛ فإنه تبرع، فلا يلزم بالالتزام، كما لو التزم أن يهب لزيد شيئاً، بخلاف الملتزَم في القسم الأول، فإنه مذكور عوضاً، وسيأتي شرح ذلك في كتاب النذور، إن شاء الله.
ثم قال القاضي إذا قال: عليّ عتق رقبة، واقتصر على هذا القدر، ولم يضفه إلى الله تعالى، فلا يلزمه مذهباً واحداً، وإنما الوجهان في ترك الإضافة في نذر التبرّر.
ولا وجه للقطع الذي ذكره؛ فإن النذر المطلق إذا جعلناه ملزماً بمثابة نذر التبرّر عند وجود الشرط، فإذا جرى الخلاف عند ترك الإضافة في نذر التبرّر، وجب لا محالة إجراء مثله في النذر المطلق. على أن الأصح عندنا أن الإضافة ليست مشروطة، وإنما يظهر الخلاف في الإضافة في نيّات (١) العبادات كما تقدم ذكره في أبواب النيات- وما ذكرناه كلام في النذر.