للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشي، أو غيرَ معذور، فإن لم يكن عذر، فهل يقع الحج الذي أتى به عن النذر، وهل تبرأ ذمة الناذر؟ فعلى قولين: أحدهما - لم يحسب ما جاء به عن النذر؛ لأنه التزم حجاً موصوفاًً بصفة، فإذا لم يأت بالحج على تلك الصفة، لم يكن ما جاء به وفاء بالنذر، واللزوم باقٍ في الذمة، والحج يقع تطوعاً، ولا يتصور على مذهب الشافعي تطوع يسبق الفرضَ في الحج إلا في هذه الصورة على هذا القول.

والقول الثاني - أن الحج يقع عن نذره، وهذا هو الذي ارتضاه معظم الأصحاب، ولكن الشافعي فرّع على القول الأول، وقال: لو مشى في بعض الطريق، وركب في البعض، قضى، ومشى فيما ركب، وركب فيما مشى، وسنذكر بيان هذا في موضعه إن شاء الله. وإنما كان غرضنا أن نبيّن تفريع الشافعي على هذا القول، هذا إذا لم يكن معذوراً.

فإن كان معذوراً في ترك المشي، فحج راكباً، وقع الحج موقع النذر بلا خلاف، وبهذا يقوى أحد القولين في وقوع حج القادر راكباً عن جهة النذر.

التفريع على القولين:

١١٨٤٥ - إن حكمنا بأن الحج لا يقع عن جهة النذر، فليس إلا القضاء. وإن حكمنا بأنه يقع عن جهة النذر، فهل يجب بسبب [ترك] (١) المشي فدية؟ حاصل ما ذكره الأصحاب ثلاثة أوجه: أحدها - أنه لا تجب الفدية، وليس على الناذر إلا الانتساب إلى المعصية في ترك واجب المشي؛ فإن الفدية إنما تجب بترك أبعاض النسك المرتبة فيه، وليس المشي من الأبعاض.

والوجه الثاني - أن الفدية تجب، وهو الأصح؛ لأن النذر ألحق المشي بالأبعاض لما وجب، ولم يكن ركناً، ولا معنى للبعض [المقابل] (٢) بالفدية إلا هذا، ولو أوجبنا المشي، ثم أوقعنا الحج عن الناذر من غير فدية، لكان هذا إحباطاً للملتزَم بالنذر، فلا يتجه إلا القضاء والفدية.


(١) في الأصل: " ذلك ". والمثبت من (ق).
(٢) في الأصل: " القابل ".