للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والوجه الثالث - أنا نفصل بين المعذور وغيره، فلا نوجب على المعذور فدية؛ فإنه إنما يلتزم بالنذر على شرط الإمكان، وليس كالأبعاض المرتبة في النسك؛ فإن الشرع كما رتبها رتب أبدالها، وإن لم يكن معذوراً، لزمت الفدية، وقد روي أن أخت عقبة بن عامر نذرت لله تعالى أن تحج ماشية حافيةً غيرَ مختمرة، فجاء أخوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك. فقال عليه السلام: " مُرها، فلتركب، ولتختمر " (١)، ثم اختلفت الرواية، فروي أنه قال: " ولْتهدِ هدياً " (٢)، وفي بعض الروايات الأمر بالركوب من غير تعرض للفدية، وحديثها محمول على العجز؛ فإن المرأة لا تستقل بالمشي في غالب الأمر، ولذلك قال رسول الله عليه السلام: " فلتركب ".

١١٨٤٦ - ومما نفرعه على قول وجوب المشي الكلامُ في أن الناذر متى يأخذ في المشي، ومتى يقطع المشي؟ فنقول: لو صرح بالتزام المشي من دُوَيْرَته إلى الفراغ من الحج، فهل يلزم المشيُ قبل الإحرام؟ اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: لا يلتزم المشي؛ فإن هذا مشي في غير الحج، فلا يلتحق بصفات النسك، ومنهم من قال: يلزم الوفاء بالنذر في ذلك، والأجر على قدر النصب، وهذا له التفات على أن الأجير على الحج إذا مات في الطريق قبل الإحرام هل يستحق شيئاً من الأجرة؟ فإن قلنا: لا يلتزم الناذر المشيَ قبل الإحرام، فلا كلام. وإن قلنا: يلتزم المشي قبل الإحرام إذا صرح بالتزامه، فللأصحاب تصرف في لفظ الناذر. فلو قال: لله عليّ أن أحج ماشياً، أو قال: لله عليّ أن أمشي حاجاً -والتفريع على أن المشي قبل الإحرام يُلتَزَم لو وقع التصريح به- فما حكم هذين اللفظين؟ اختلف أصحابنا في المسألة: منهم من قال: يأخذ في المشي من مخرجه من دُوَيْرَتِه؛ حملاً لكلامه على العادة؛ فإن


(١) حديث " أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية حافية غير مختمرة ... " أخرجه أبو داود: الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، ح ٣٢٩٦، ٣٢٩٧، ٣٣٠٣، والبيهقي في الكبرى (١٠/ ٨٠) والحديث في الصحيحين دون ذكر الاختمار والفدية (اللؤلؤ والمرجان: النذور، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة، ح ١٠٦٥).
(٢) الأمر بالهدي ورد في إحدى روايات أبي داود (ح ٣٢٩٦).