الناذر حَجةٌ يأتي بها، وهل يجب على الحاج استدامةُ المشي في الحجة الفائتة إلى التحلل؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه يجب؛ فإن مبنى الحج على أنه يدوم حكمُه فيما يُلتزم فيه، وإن فات أو فسد. والوجه الثاني -وهو الأقيس عندنا- أنه لا يجب استدامة المشي بعد الفوات؛ لأن المشي ليس بعضاً راتباً شرعاً من أبعاض الحج، وإنما لزم بسبب النذر، وقد انصرف الإحرام عن النذر، وليس الجاري فيه في إحرام منذور، ولو أفسد الحج، فالخلاف في استدامة الحج على نحو ما ذكرناه.
١١٨٤٨ - ومما يليق بإتمام المقصود أن من نذر المشي إذا ركب في البعض، ومشى في البعض، وفرّعنا على أنه يجب عليه حَجةٌ يُمَحِّض المشي فيها، فإذا اتفق الأمر على ما وصفنا، فظاهر النص أنه إذا قضى الحج، فله أن يركب حيث مشى، ويجب أن يمشي حيث ركب. وقد اختلف أصحابنا في هذا، فمنهم من قال: يجب تمحيض المشي، وهذا متجه؛ لأن الحج الأول لم يقع عن النذر؛ إذ لو وقع عنه، لم يجب إعادته، فهذا الحج الثاني هو المنذور، فليأت به على موجَب النذر. ويعسُر على هذا القائل تأويل النص.
ومن أصحابنا من قال بظاهر النص، وكأن هذا القائل يصير إلى أن الحج الأول وقع عن النذر، ولكن يجب استدراك ما ترك من المشي، ولا يتأتى ذلك إلا في الحج- فعلى هذا يستقيم أن يبعّض المشيَ والركوبَ على الترتيب الذي اقتضاه النص- وهذا بعيد- وقد ذكرنا في كتاب الصلاة ما يناظر هذا في إيجابنا إقامةَ الصلاة في الوقت مع إيجابنا قضاءها، وقد حققت قريباً من ذلك في الصلاة المؤدّاة والمقضيّة.
ولو قال: لله علي أن أحج راكباً- فإن قلنا: المشي أفضل من الركوب، فالركوب لا يلتزم وإن قضينا بأن الركوب أفضل من المشي، فالقول في التزام الركوب تفريعاً على هذا كالقول في التزام المشي، تفريعاً على أن المشي أفضل.