للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال في الكبير: " إذا كنت أكره القضاء في المسجد، فأنا لإقامة الحد في المسجد أكره ".

والقول في إثبات الكراهية ونفيها مع المصير إلى أن الأولى غيرُ ما فيه الكلام مما يكثر فيه خبط الفقهاء، ولا يحيط به من لم يقف على مسالك التحقيق في ذلك من فن الأصول. ونحن نقول: كلُّ ما جُرّد إليه قصدٌ في النهي عنه، وثبت [أنه] (١) ليس نهيَ تحريم، فهو نهيُ كراهية.

ثم المكروه له رتب، كما أن المندوب له رتب، وإنما نشأ الاضطراب من [سؤالٍ] (٢) ونحن نؤخر الجواب عنه، وهو أن استغراق الأوقات بالخيرات مستحب، ولا يوصف ترك الاستغراق مع الإتيان بالمندوبات المشروعة بكونه مكروهاً، والسبب فيه أنه لم يرد نهيٌ مقصود عن ترك استغراق الأوقات.

والتعويل في ثبوت الكراهية على ثبوت نهي على [فعلٍ] (٣) من غير تحريم، كما أن التعويل في ثبوت التحريم على ثبوت نهي مقصود يجري على حقيقته.

والتردد الذي في نص الشافعي في اتخاذ المساجد مجالسَ القضاء أتى مما ذكرناه؛ فإنه لم يرد في ذلك نهي مقصود، ولكن متعلَّق القضاء أمور ورد فيها النهي المقصود، كرفع الأصوات وإدخالِ الصبيان المساجدَ، ومنعِ النسوة الحُيَّض مع مسيس الحاجة إلى رفعهن إلى مجلس القضاء، فكان التردد لهذا.

والأصح إطلاق الكراهية؛ فإن الأمور التي أشرنا إليها من أركان القضاء.

ثم ما ذكرناه في اتخاذ المسجد مجلساً على اعتياد، فلو اتفق فصل قضيةٍ أو قضايا معدودة في [بعض] (٤) الأيام من غير اعتياد، فلا بأس، وكثيراً ما كان يقضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ومَحْمَلُه ما ذكرناه.


(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) في الأصل: " سؤاله ".
(٣) في الأصل: " فضل ".
(٤) زيادة من المحقق.