للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فنقول: كل مسألة يتعلق القول فيها بالقطع، فمن حاد عن مُدرك الصواب نُقض عليه حكمه، وكل مسألة لا مستند لها من قاطع فإذا جرى حكم الحاكم فيها بمذهبٍ، وهو في محل التحري، ومساق الظن، فلا سبيل إلى نقض الحكم فيه، ثم حقيقة القول في هذا يستدعي الإحاطة بمدارك القطع، ولا طمع في الخوض فيها إلا على قدر الحاجة.

فنقول: إذا خالف الحكمُ نصَّ الكتاب، أو نص السنة المنقولة قطعاً، أو إجماع الأمة، فلا شك في النقض. فإن خالف خبراً صحيحاً نقله الآحاد، أو خالف القياس الجلي، فقد يُفضي الأمر إلى النقض.

والضابط فيه أن كل مسألة مبناها بعد الأصول الثلاثة التي ذكرناها يرجع إلى ترتيب الأدلة -والكلامُ [فيما يُقدَّم] (١) منها- فالمسألة قطعية، وهذا كاشتمال المسألة على خبر لا يُؤَوَّل، وقياسٍ في معارضته، كمسألة خيار المجلس، والمصراة، والعرايا، وإباحة الجنين إذا تذكى بذكاة الأم، وفي المسألة حديث أبي سعيد الخدري، فالقول فيها وفي أمثالها يؤول إلى مراتب الأدلة، فنحن نقدم الخبرَ، والخصمُ يقدم القياس غيرَ متشوّف إلى تأويل، ووجوب تقديم الخبر مقطوع به، وهو من جليّات مسائل الأصول.

ومما نذكره عند هذا المنتهى أن من لا يرى تقديم القياس، ولكن يعتمد تأويلاً عند نفسه -وهو باطل عند الأصوليين- فلا مبالاة بتأويله، والمذهب المبني عليه باطل قطعاً.

والقول في مراتب التأويلات جمعناه في كتاب من كتب الأصول (٢)، وكل مسلك يختص به أصحاب الظاهر على القيَّاسين فالحكم بجنسه منقوض، وبحقٍّ قال حبرُ الأصول القاضي أبو بكر: إني لا أعدّهم من علماء الأمة، ولا أبالي بخلافهم ووفاقهم.


(١) في الأصل: " فيها يقدر " والمثبت من (ق).
(٢) بسط الإمام قضيةَ التأويل في كتابه البرهان في أصول الفقه، حيث عقد لذلك باباً باسم (باب التأويلات) (ر. البرهان: الفقرات- ٤٢٤ - ٤٨٦).