للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصرح الشافعي بما [يتضمّن] (١) إبطالَ الحكم المستند إلى الاستحسان، والقولُ فيه: إن أصحاب الاستحسان ربما يُسندون ما يَرَوْنه إلى خبر، كمصيرهم إلى أن الناسي لا يُفطر الأكل؛ لخبر أبي هريرةَ فيه، وكلُّ مذهبٍ مستندٍ إلى خبر، فهو متلقى بالقبول، وعبارة صاحب المقالة عن هذا بالاستحسان على نهاية السخافة والغثاثة؛ فإن قبول الخبر لا محيد عنه، والاستحسانُ يشعر بتردد وميلٍ خفي إلى جانب (٢).

ومعظمُ قواعد الاستحسان استصلاح جلي أو خفي لا أصل له في الشريعة، ومعنى قول صاحب المقالة: الاستحسان مقدم على القياس: أن القياس الجاري على وفق قواعد الشريعة مؤخر عن استصلاحٍ لا أصل له في الشريعة.

وقد عبّر الشافعي عن غور هذا الفصل بكلمات وجيزة، إذ قال: " من استحسن فقد شرَّع".

١١٨٩٧ - ومما يتعلق بغرضنا أن المسألة إذا كان مستندها في النفي والإثبات القياس من الجانبين، فإذا اتجه في أحدهما قياس جليّ تقضي قواطعُ الأصول به، وفي الجانب الآخر متعلَّق خفي، فالمسألة من مسائل النقض إذا صادف الحكم المدركَ الخفي، ويجمع هذا النوعَ أن الجانب الجلي يسترسل في أقيسة الشريعة، والجانب الخفي يستمسك بشواذَّ ونوادرَ، يتكلف صاحبه ربطَ الكلام بها، وينتظم له فن من التعقيد سببه شذوذُ متعلقاته، وهذا كحكمنا بأن المأذون له في التجارة يقتصر على النوع المأذون فيه؛ فإنه عبد مملوك يتصرف فيما ليس له بذن مالكِه ومالكِ رأس المال.

وأبو حنيفة رضي الله عنه يبني مذهبه على أنه يتصرف لنفسه، وقد يعتضد بالعهدة، وغاية الكلام فيها تعقيد لا يناسب مسالك الأقيسة الجلية.

ومما يجري النقض [به] (٣) إذا تردد مذهبان بين موافقة قاعدة كلية وبين مجانبتها


(١) في الأصل: " يتضم".
(٢) كذا، بدون ذكر المضاف إليه، ولعلها: " إلى جانب التشهي أو الاستصلاح ". وجاءت (ق): " إلى جانبه ".
(٣) في الأصل: " بينه ".