عقداً، ومن ضرورة استفتاح عقد حلُّ ما كان تقدم؛ فإن المنعقد لا ينعقد عقده إلا بعد حله، ثم يُبتَدأ بعد الحلِّ العقد. ثم لا يحكم -والحالة هذه- بانعقاد الصلاة بالتكبيرة الثانية -وإن كانت على الشرط المطلوب- فإن هذه التكبيرة قد تضمنت حلاً؛ فيستحيل أن تتضمّن عقداً؛ فإن الشيء الواحد لا يصلح -فيما نحن فيه نتكلم- لحكمين نقيضين: الحل والعقد جميعاًً، فهذا ما ذكره. وطائفةُ كافّة الأصحاب عليه من غير مخالفٍ. فالوجه إذن أن يرفع التكبيرَ (١ الأول بسلام أو كلام أو غيره، ثم يبتدىء التكبير ١) الثاني عاقداً، فيحصل الحلّ بما يتقدّم عليه، ويتجرّد هذا التكبير للعقد.
٧٩١ - ولو كبر التكبير الثاني على أنه قطع ما كان فيه -إن كان قد انعقد- فقدّر التكبيرَ الثاني قاطعاً محللاً، واستفتح تكبيراً ثالثاً عاقداً، فقد قال الأئمة: تنعقد الصلاة؛ فإن التكبيرة الثانية جرت قاطعةً غير عاقدةٍ، فتتجرد التكبيرة الثالثة للعقد.
وهذا فيه إشكال عندي، من جهة أنا نجوّز أن التكبيرة الأولى، لم تكن عاقدة في علم الله تعالى، والتكبيرة الثانية صحت من حيث إنها لم تكن متضمنةً حلاً، فإذَا كبّر التكبيرة الثالثة، فهي تتضمن حلاً لما انعقد، كما صوّرناه، وإذا تضمنت حلاً، لم تقتضِ عقداً؛ فإن التكبيرةَ الواحدةَ لا تصلح للنقيضين جميعاًً. هذا وجه الإشكال.
ولكن الجواب عنه: أن التكبيرة الأولى -وإن لم تكن عاقدة في علم الله- فقد قصد صاحب الواقعة بالتكبيرة الثانية حلاّ لما تقدّم، وهذا يُفسد التكبيرة؛ فإنها وإن كانت غير حالة عند الله، فقصد الحل يُفسدها، ويخرجها عن كونها صالحةً للعقد. فإذا فسدت لذلك، فالتكبيرة الثالثة تقع مجرّدةً للعقد، فتصح.
ولو ظن أن التكبيرة الثانية تعقد لو صحت، ولم نحكم بفسادها، فأجرى التكبيرة الثالثة، وهو يُجوّز أن الثانية عَقَدت، فيظهر في هذه الصورة أن يقال: تفسد التكبيرة الثالثة؛ من جهة أنه قصد بها حلاً لما اعتقد انعقادَه. فإذاً إنما تنعقد الصلاة بالتكبيرة الثالثة في حق من يعلم أن الثانية لا يجوز أن تكون عاقدةً حتى لا يفرض حل ما عقدَه بالثالثة. فليتأمل الناظر ذلك؛ فإنه بين.