ومما يليق بهذا المنتهى أن الشاهد لو نسي التحمل، فذكّره عدول، وقطعوا أقوالهم بتحمله، فإن تذكر لما ذُكِّر، عوّل على ذكره، لا على أقوال المذكّرين.
والتذكير منصوص عليه في الكتاب، فقال عز من قائل:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}[البقرة: ٢٨٢]، وإن ذكِّر فلم يذكر، فلا حكم للتذكير، وهذا متفق عليه من الأصحاب.
١١٩٢٤ - وكذلك قالوا من عند آخرهم: لو قضى القاضي بأمرٍ، فروجع فيه، فلم يتذكّر قضاءه، فلا شك أنه لا يعوِّل على الخط، كما قدمنا ذكره، فلو شهد عنده عدلان على أنك قضيت لفلان بموجب خطك هذا، أو لم يتعرضا للخط، وشهدا على القضاء، فالقاضي لا يعوّل على شهاتهما؛ بل إن تذكّر واستيقن، فذاك، وإلا وقَفَ الأمرُ، وتوقف القاضي.
ولو شهد الشاهدان بعد عزل هذا أو موته عند قاضٍ آخر، وقالا: نشهد أن فلاناً قضى لفلان، فيثبت القضاء على هذا الوجه. والسبب فيه أن الإنسان يطلب من نفسه اليقين، ولا يكتفي بالظاهر. ولا يثبت قوله في حق الغير إلا بطريق الظاهر، فكان كل مسلك مبنيّاً على الممكن فيه.
فإن قيل: أليس الشيخ في الحديث يقول: " حدثني فلانٌ عني " إذا كان روى، ثم نسي ما روى، كما قال سهيل ابن أبي صالح: حدثني ربيعةُ عني أني حدثته عن أبي حديث القضاء بالشاهد واليمين. قلنا: للأصوليين كلام في هذا وتفصيلٌ، وقد شرحناه في مجموعات الأصول.
ثم التعويل في الروايات على الثقة المحضة، ولهذا لا يشترط فيها العدد والحرية، والشهادات والبينات مبنية على أقصى الإمكان في كل باب؛ فلم يقع الاكتفاء فيما نحن فيه بخط ولا بشهادة الشهود.