للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستزكاء، والبحث الأكمل. حتى يغلب على ظنه أنه لم يبق للخصم الغائب مضطرباً، فإذا فعل ذلك، انقسم النظر بعده، فإن طلب المدعي القضاء بالبينة على الغائب، فلا بد من الإسعاف به، والقضاء على الغائب نافذ على شرائط سنصفها الآن، خلافاً لأبي حنيفة (١) رضي الله عنه.

وحكى صاحب التقريب في مواضعَ من كتابه قولاً غريباً للشافعي في منع القضاء على الغائب، قال: رواه حرملة عنه. وهذا حكيناه ولا عَوْدَ إليه.

١١٩٢٩ - فإذا أراد القضاءَ على الغائب بالحق، فلا بد من تحليف المدعي، ثم يستظهر بالاحتياط التام في تحليفه: فيحلّفه: ما أبرأ عن حقه، ولا عن شيء منه، ولا أحد بأمره، ولا [استوفاه] (٢) ولا شيئاً منه، ولا أحدٌ بأمره، ولا اعتاض عنه، ولا عن شيء منه، ولا أحدٌ بأمره. ولا أحال به ولا بشيء منه، ولا أحدٌ بأمره، وأنه يلزمه تسليمُ المدعَى إليه وأن شهوده شهدوا بالحق.

فال القاضي رضي الله عنه: اختلف أصحابنا في أن هذه اليمين احتياط أم وجوب، فمنهم من قال: هي احتياط، فليقع القضاء بالوجوب تعويلاً على البينة، ثم إن ادعى الخصم عند الانتهاء إليه شيئاً مما تحالف المدعي عليه، فهو خصومة مستفتحة، وهذا حسن منقاس؛ فإن القضاء، وإن نفذ على الغائب، فليس المراد به أنه إذا بلغ كتاب القاضي إليه يُؤخذ بتلبيبه، ويُستأدى الحق منه من غير أن يُستنطق، بل القاضي المكتوبُ إليه يُحضره ويراجعه ولا يسد عليه بابَ الدعوى، كما سنصف إذا انتهينا إليه، هذا أحد الوجهين.

والثاني - أن الاستحلاف حق، وهو ركن القضاء على الغائب؛ فإن القاضي يتمسك بكل ممكن يقدِّر تمسُّكَ الغائب به لو كان حاضراً. هذا وضع القضاء، وفيه فقه، وهو أن القضاء ينفذ بوجوبٍ ناجز، وكيف [يصح] (٣) هذا مع إمكان الإبراء،


(١) ر. المبسوط: ١٧/ ٣٩، رؤوس المسائل: ٥٢٤ مسألة ٢٨٣، مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٨٦ مسألة ١٥٣١، طريقة الخلاف: ٣٩٧ مسألة: ١٦٣، إيثار الانصاف: ٣٥١.
(٢) في الأصل: " استوفى ".
(٣) في الأصل: " يتضح ".