قولُ الشاهدين، فإن نقلا عن القاضي تعديلهما، فكأنهما في التحقيق يشهدان على عدالة أنفسهما، أو على تعديل الغير إياهما، وهذا محال غير منتظم.
وقال الققال الشاشي: تثبت عدالة حاملَيْ الكتاب بتعديل القاضي الكاتب في كتابه، وهذا غلط باتفاق الأصحاب؛ فإن الإصطخري وإن عوّل على الكتاب، فمستند الكتاب شهادة عدلين على أن هذا الكتاب للقاضي، فإذا توقفنا في عدالة الشاهدين، فكيف يثبتُ الكتاب حتى يعوَّل على مضمونه؛ فإذاً هذا معدود من هفوات هذا الإمام.
١١٩٣٢ - وليس ما ذكرناه تمامَ الغرض، واستيفاءَ المقصود في بيان حقيقة القضاء المبرم على الغائب، لكن قد اعترضت مراسم وأوفينا على المسائل بعدها، فننعطف بالبحث على ما تقدم، ثم نفتتح المسائل، فأصل الكتاب رسمٌ، ولو ترك، فلا بأس. والتعويل على ما يتحمله الشاهدان، ثم إن اطلع شاهدان على تفصيل القضاء عند الإنشاء، فذاك، وإن جرى القضاء ثم أشهدهما القاضي على اعترافه بالقضاء المفصل، جاز ذلك، وهو واضح.
وأما مذهب الإصطخري ومخالفة الأصحاب إياه، فالكلام فيه ليس بالهيّن، وأنا أقول: إن قال القاضي: هذا كتابي وختمي وقد أشهدتكما على ذلك؛ فإن كان الإصطخري يقول في هذا المقام: يُعوِّل المكتوبُ إليه على الكتاب، فهذا غلط لا شك فيه؛ فإن الكتاب لا يعوَّلُ عليه، والخط لا معتبر به.
ولو قال القاضي: مشيراً إلى خط نفسه في سجلّ: هذا خطّي، وكان مضمونه تسجيلاً، فلا يكون هذا خطيّ اعترافاً منه بالقضاء، وإن كان الإصطخري لا يجيز هذا، بل يشترط أن يقول القاضي للشاهدين: مضمون هذا الكتاب قضائي وحكمي، وقد أشهدتكما على ذلك، ولم يتعرض لتفصيل القضاء، فهذا موضع النظر.
ومذهب الإصطخري يتجه بعضَ الاتجاه إذا كانت الحالة هذه؛ لأن القاضي أقر بالقضاء؛ ولكنه لم يفصّله للشاهدين، وأحال تفصيلَه على الكتاب، والإقرارُ يثبت مع الإجمال، كيف وبيان مجمله محالٌ على كتابٍ أشار إليه القاضي.