الغربي، وهما قارّان في ولايتيهما بأني سمعت بينة على فلان، ووصفها على شرطها، فاقض بها، فإن كان ذلك بعد ما غاب الشهود أو ماتوا، فيقضي المكتوب إليه إذا شهد شاهدان على موجب الكتاب كما ذكرناه، وإن كانوا حضوراً بعدُ في البلدة -أعني شهود الخصومة- فالمكتوب إليه لا يقضي أصلاً، بالكتاب والشهادةِ على مضمونه؛ فإن استحضار الشهود سهل، وهم الأصل، وقول القاضي في حُكم شهادة الفرع على الأصل، فيستحضرهم القاضي، ويستعيد الشهادةَ، بأن تقام الخصومة في مجلسه من ابتدائها على شرطها، فهذا معنى الاستعادة.
وكذلك لو كان سمع شهادةَ قوم، ولم يخض القضاءَ، وكتب إلى قاضٍ في بلدة أخرى، فاتفق أن الشهود كانوا صحبوا الكتاب، أو سبقوه، أو أتَوْا بعده على القرب قبل أن يُمضي المكتوبُ إليه القضاءَ؛ فإن المكتوب إليه يبتدىء الخصومة، ويستعيد الشهادة؛ لتمكنه من الوصول إلى قول الأصول، وسماعُ القاضي وكتابُه في حكم الفرع.
ولو كان في جانبي بغداد قاضيان، كما صوّرنا، فسمع أحدُهما في جانبه بينة، وغاب الشهود أو ماتوا، ثم وقف كل واحد من القاضيين على طرف ولايته، لم ينفصل عنها، ونادى من سمع البينة الآخر: بأني سمعت شهادة فلان، وفلان، على فلان، وحلّفته على موجَب الشرع، فاقض بالبينة في جانبك، فيقضي ذلك القاضي؛ فإن كل واحد منهما كان في محل ولايته لما تناديا، فصحّ ذلك، ووقع الموقع.
فإن قيل: إذا كان التنادي والإعلامُ في طرفي الولايتين ممكناً -على ما صورتموه- فإذا كتب أحدهما، وأشهد على كتابه، وكان قادراً على أن يشافه القاضي ويناديه، فهلاّ كان هذا ممنوعاً؛ لأن كتاب القاضي وشهادةَ الشهود على سماعه بمثابة الفرع للقاضي؟ وقوله في نفسه أصل، فكيف يقع القضاء بالفرع مع التمكن من الوصول إلى الأصل.
ويخرج من موجَب هذا السؤال أن يتعين أن يُعلم أحدُ القاضيين الآخرَ بسبيل التنادي في طرفي الولايتين. وهذا وجه بيّن في القياس.
ولكن الذي دل عليه كلام الأصحاب أنا لا نشترط ذلك؛ فإن فيه الغض من منصب