للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تمهّد هذا قلنا: الاكتفاء بالقاضي وحده في البيّنة يوضِّح شَوْب الولاية، وهذا متفق عليه.

١١٩٤١ - وأجمع الأصحاب على أن القاضي إذا لم يقضِ، وضمَّن كتابه سماع الشهادة، فلا بد من ذكر الشهود وتعريفِهم. ولا يكفي أن يقول: سمعت بينة توجب الحكم. ولو كان هذا حكماً باتاً، لأوشك أن يجوز هذا، فلما قلنا: يجب ذكرُ تفصيلِ البينة وأسماءِ الشهودِ، على نهاية الإمكان والإعلام، فالسبب فيه نقل البينة إلى المكتوب إليه ليرى فيها رأيه، فإذاً هذان حكمان متعارضان: اتحاد القاضي، ووجوب نقل تفصيل البيّنة، ولمن يغلّب النقل أن يجيب عن الاتحاد ويقول: أقام الشرع القاضي -وهو شخص واحد- مقام شاهدين لرتبة الولاية، وهذا كإقامة الرجل مقام امرأتين لفضيلة الذكورة. ومن يغلّب الولاية يحمل تفصيل النقل على أمرٍ، وهو أن المكتوب إليه لا يقلِّد في مستند حكمه، وقد لا يرى القضاء ببيّنة يراها الكاتب، فامتنع الإبهام لذلك.

وتردد أئمتنا فيما يخرج على التقديرين - فقالوا: لو كان في بلدة واحدة قاضيان -إن جاز ذلك على ما سنذكره في الفروع على أثر هذا- فلو سمع أحدهما شهادة شاهدين ولم يقض، والتقى بالقاضي الثاني وأخبره، وتمكن القاضي الثاني من استعادة الشهادة فإن قلنا: ما صدر من القاضي [لسامع] (١) حكم، فليس على القاضي الثاني استعادةٌ، وإن قلنا: سبيله سبيلُ النقل، فالقاضي فرعٌ إذاً، فإذا قَدَر القاضي الثاني على السماع من الأصول، لم يكتف من السماع من الفرع- وهذا هو الذي أجريناه مقطوعاً به فيما تقدم، وهو مختلَفٌ فيه كما ذكرناه الآن، وكأن القاضيين على الوجه الآخر يتعاونان على القضية الواحدة، فيسمع أحدهما البيّنة، ويقضي الثاني. فلو كان يجب على الثاني استعادة الشهادة، لبطل ما أشرنا إليه.

ومما يؤكد أصلَ النقل أن القاضي الكاتب لو سمع ولم يعدّل، جاز، وهذا يكاد أن يكون نقلاً محضاً؛ فإنه لم يظهر كون ما سمعه بيّنة؛ ليقال إن هذا حكم، بل رجع


(١) في الأصل: " الثاني ".