للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كقَرَاحٍ (١) يزرع، ولو قسم، لأمكنت الزراعة في كل حصة، أو كمسكن مشترك، ولو قسم لتأتى السكون (٢) في كل حصة.

ويستبين الغرض بتصوير يقتضي ذلك، فإذا كان المشترك حماماً أو طاحونة، فقسمة الحمام ممكنة حِسّاً، ولو فرضت، لكانت كلُّ حصةٍ منتفعاً بها، بأن تتخذ مخزناً أو مسكناًً، ولكن يختلف جنسُ الانتفاع، فلا إجبار على القسمة، فإن القسمة تُبطل جنسَ المنفعة الكائنة حالةَ الشركة، هذا مذهب الجمهور.

وقال قائلون من الأصحاب: إذا أمكنت منفعةٌ وإن خالفت الجنسَ الأول، فالإجبار على القسمة جارٍ، وهؤلاء يُجبِرون على قسمة الحمام والطاحونة، وهذا ذكره القاضي وغيره، ولم يذكره أحد إلا زيّفه، فلا عَوْد إليه.

وللأصحاب تصرف في الطريقة المشهورة، ففالوا: الحمام الصغير لا يقبل القسمة؛ لأنه لو قسم، فكل حصة لا تكون حماماً، ولا يتأتى اتخاذها حماماً، بأن يفرض لها أسباب مجردة من أتون ومستوقد وغيرهما، فهذا تعطيل منفعة الحمام بالكلية.

وإن كان الحمام كبيراً، وقد هيىّء على أتون واحد ومستوقد واحد، ومِرجل واحد، ولو قسم، أمكن اتخاذ حمام صغير من كل حصة بإحداث أسبابٍ لها، فهل هذا مما يقبل القسمة؟ اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: هو غير قابل للقسمة؛ فإن كل حصة لا تكون حماماً، وقد كانت الجملة حماماً، وإمكان اتخاذ حمام استحداث منفعة بعد تعطل الأولى.

١١٩٧٢ - ومن تمام البيان في ذلك أن الدار إذا كانت مشتركة بين شريكين لأحدهما عُشرها، وللثاني تسعة أعشارها، وكان عُشر الدار لا يصلح للمسكن وتسعة الأعشار تصلح -لو ميّزت- للسكون، فلو جاء صاحب العُشر طالباً للقسمة، فالطريقة المشهورة أنه لا يجاب، لأنه متعنِّتٌ في طلبه ساعٍ في إبطال المنفعة من حصة نفسه،


(١) القراح: الأرض التي لا بناء ولا غراس بها.
(٢) السكون: المراد السكن، أي اتخاذها مسكناً.