وأنكرها الثاني، فإن لم يكن متعلَّق بقاسم من جهة القاضي، فالقول قول النافي. وإن تعلقت بقاسم القاضي، فالرجوع إلى قول القاسم؛ فإنه حاكم، أو شاهد.
فإذا ادعى الغلط على القاسم من جهة القاضي، ولم يجد بينة، فقد ذكرنا أن دعواه لا تسمع على القاسم، فلو قال: أحلّف شريكي؛ فإنه عالم بأنى منحوسُ [الحظ](١)، فله تحليفه، فإن حلف، انقطعت الخصومة، وإن نكل، رد اليمين على المدعي، فإذا حلف يمين الرد، نُقضت القسمة، وأعيدت من الرأس.
وإن ادعى على جمعٍ من الشركاء، فحلف بعضهم، ونكل بعضهم، قال الأئمة: تُرد اليمين بسبب نكول الناكلين، فإذا حلف، انتقضت القسمة في حق الناكلين. قال صاحب التقريب: إذا قلنا: يمين الرد كالبينة، فقد قال بعض الأصحاب: تنتقض القسمة في حق الكلّ: من حلف، ومن نكل، كما لو أقام بينة.
وهذا سخيف، لا أصل له، فإن يمين الرد إنما يكون بينة في حق الناكل فحسب، فأما من حلف، فقد درأ يمينَ الرد عن نفسه، وهذا الوجه نقله صاحب التقريب، وبالغ في تزييفه، ولولا نقلُه لما ذكرناه.
فصل
١١٩٩٧ - إذا كان في أيدي طائفة ملكٌ مشترك، فجاءوا إلى القاضي، والتمسوا منه أن ينصب قاسماً ليقسم الدار بينهم، فهل يجيبهم القاضي؟ إن كان ثبت ملكهم عند القاضي بطريق من الطرق، أجابهم، وإن لم يثبت ملكهم، فهل ينصب قاسماً؟ فعلى قولين: أحدهما - لا ينصبه؛ فإنه لم يتحقق عنده ملكهم، فالإقدام على القَسْم -وقد يكون الملك لغيرهم- تصرّفٌ قبل ثبوت موجِبه، ولو قسم بينهم، فربما يتعلقون به، ويعدُّونه حجةً في ثبوت الملك، وهم مبطلون. ولا حاجة إلى هذا، فإن القاضي يوضح: إني قسمتُ باستدعائهم، ولم يثبت عندي ملكُهم.
والتعويل في توجيه هذا القول على ما قدمناه من أن القَسْم تصرفٌ، لم يثبت موجِبه.
(١) في الأصل: " الحق ". والمثبت من لفظ الغزالي في البسيط. والحظ هنا بمعنى النصيب.