للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحبس، ولكن لا يخلى سبيله حتى يحضر خصمه، وفي كلام القاضي ما يدل على أنه يخلّى سبيله، ولا يتشبث به، ولست أنكر اتجاه هذا في القياس؛ فإن التشبث به من الحبس، فإن ادعى مدّعٍ استعدى عليه. فإنا لا ندري أن ذلك القاضي حبسه بالحق أم لا، وحبس القضاة منقسم إلى حقٍّ، وظلم، وأدب، وحملٍ على تأدية حق، فيحصل مما بسطناه أن ما صار إليه الجماهير التشبث به إلى التفحص، من غير أن يرد إلى الحبس. والذي ذكره القاضي أنه يطلق، ثم خصمه يتبعه ويستعدي عليه.

فإن فرّعنا على ما عليه الجماهير، قلنا: لو وجدنا محبوساً لا يعرف له خصماً، فكيف السبيل فيه؟ قال الأصحاب: يأمر القاضي من ينادي باسمه، ويقول: فلان بنُ فلانٍ محبوسٌ، فمن خصمه؟ فإن لم يظهر له خصم، أطلقه، إذا كان يقول: حبست بالظلم، أو كان يقول: لا أدري لم حُبست، ولا أعرف على نفسي حقاً يوجب حبسي.

ثم قال الأصحاب: ينادي عليه إلى حد الإشاعة؛ فإن النفوس تتشوف إلى الطلب إن كان طالب، ثم ذكر الأصحاب أياماً. ولا يطاف به، وإنما يذكر اسمه على حد التعريف، وهو في ذلك لا يحبس ولا يخلَّى، بل يُنصب من يراقبه، ثم يطلق. وهل نأخذ منه كفيلاً ببدنه احتياطاً؟ ذكر صاحب التقريب فيه وجهين: أحدهما - أن عليه إعطاء كفيل، فإن امتنع، رددناه إلى الحبس، والثاني - ليس عليه ذلك، وهو الصحيح الذي قطع به الأئمة.

ولو كان خصمه غائباً، وزعم المحبوس أنه مظلوم، ولو انتظرنا مطالبة الغائب، لطالت المدة، والمراقبةُ أخت الحبس، فهل يطلق والحالة هذه؟ ذكر بعض المصنفين في ذلك وجهين: أحدهما - أنه لا يطلق، بل يكتب إلى الموضع الذي به الخصم، حتى يحرص [على] (١) إظهار حجته، فإن قصّر، أطلقناه. والثاني - أنه يطلق على الفور.

وإذا قلنا: لا يطلق، عنينا به أنه يراقب، فأما الرد إلى الحبس، وإدامة العذاب، فلا سبيل إليه.

وقد يرى الإنسان في مجموعات الأصحاب عبارات موهمة، ولكن ليثق بما


(١) في الأصل: " في ".