للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكم المحكّم، فقد ذكر صاحب التقريب وجهين في أن الدية هل تضرب على عاقلة المدعى عليه، والوجه عندي ألا تُضربَ عليهم؛ فإنه لم يوجد منهم الرضا بحكم المحكّم. ولو أقر المدعى عليه، لم تتحمل العاقلة ما أقرّ به، ما لم يصدّقوه، ثم المحكّم لا يهيء -على المذهب الظاهر- حَبْساً؛ فإنه إن فعل ذلك، فقد ضاهى القاضي؛ وليس إليه إلا إثبات الحكم فحسب. وأبعد بعض الأصحاب، فجوّز ما منعناه. وكان شيخي يقول: ليس إليه استيفاء العقوبات، وإنما إليه إثباتها؛ فإن إقامتها استقلالٌ عظيم وخرمٌ لأبهة الولاية. والصحيح عندنا ما ذكره، والعلم عند الله تعالى.

فصل

قال: " وأحب للإمام إذا ولّى القضاء رجلاً ... إلى آخره " (١).

١٢٠١٩ - الإمام إذا كان يولّي رجلاً القضاء، فينبغي أن يتخير من يصلح له، ويستجمع الشرائط المرعية، وهي: أن يكون مفتياً حراً ذكراً، ولم نذكر المجتهد؛ فإن الفاسق مجتهد، واجتهاده نافذ عليه فيما عليه وله، ولكن لا تقبل فتواه، والكلام في صفات الاجتهاد يطلب في الأصول، والذي أراه أن يضم إلى ما ذكرناه الكفايةُ اللائقة بالقضاء، وهي عبارة عن التشمير والاستقلال بالأمر، ومواتاةِ النفس على الجد فيما إليه، وهذا يضاهي من صفات الإمام النجدةَ.

وهل يجوز أن يكون القاضي أمياً؟ فيه اختلاف ذكره العراقيون وقد أشرت إليه فيما تقدم.

١٢٠٢٠ - ثم قال الشافعي: " إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء، فالأولى أن يوليَه الاستخلاف، فإن الحاجة تمَسّ إليه في عوائقَ تطرأ ومرضاةٍ تعرض " (٢). فإن نهاه عن الاستخلاف، لم يستخلف، ولم يخالف، ولو أطلق توليته، ولم يتعرض


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٤٦.
(٢) هذا معنى كلام الشافعي، وليس لفظه ومنطوقه.