وإن لم يظن به إلا الخير، فقد قال الأصحاب: إن عزله بمن هو فوقه، نفذ العزل، وإن عزله بمن هو دونه في الصلاح للأمر، لم ينفذ العزل في ظاهر المذهب، وإن عزله بمن هو في مستواه، فعلى وجهين، هكذا رتبه القاضي.
وإطلاق هذا الكلام على هذا النسق غفلة عما يُرعى في هذا الباب.
فنقول أولاً: حقٌّ على الإمام ألا يُصدر شيئاً من أمور المسلمين إلا عن رأي ثاقب، ونظر في المصالح، وتأكُّدُ هذا المعنى على قدر الخطر فيما يأتي ويذر، فينبغي أن يوفي كلَّ شيء حظَّه من النظر، وهذا يطَّرد في العزل والتولية، فإن عزل شخصاً [بمن](١) هو دونه لمصلحةٍ، وهي أن يرى الأصلح أولى لشغلٍ أهمَّ مما هو فيه، فهذا ينفذ، ويجب القطع به، ولا يسوغ تقدير خلافٍ فيه. وإن فُرض منه عزلٌ مطلق، فلا اعتراض عليه، إذا كان يتطرق إليه إمكان النظر، ولا يجوز أن يكون فيه خلاف.
وإن رددنا الكلام إليه في نفسه، وقلنا: يصدر عزلُه والياً عن نظرٍ، فهل ينفذ ذلك؟ فهذا مما تردد فيه بعض الناس المنتمين إلى الأصول. والذي أقطع به أنه ينفذ. ولكن يتعرض صاحب الأمر بترك الأصلح لخطر المأثم، ولو لم نقل هذا، لرددنا حكم من ولاّه ثانياً، وهذا يجر خبلاً عظيماً، ولست ألتزم الخوض فيه؛ فإنه من غمرات أحكام الإمامة.
ولو عزل القاضي نفسه، انعزل، وهذا يتعلق أيضاً بطرفٍ عظيم من الإمامة، وخلعِ الإمام نفسَه، فلا نتعرض له، ونكتفي بالقدر الذي ذكرناه.
١٢٠٢٢ - فأما القول فيما ينعزل به القاضي، فأجمعُ كلامٍ فيه أن نقول: كل طارىء عليه يمنع من ابتداء التولية فإنه يوجب انقطاع التصرف بالولاية، كنسيانٍ يطرأ، ويُخل بالاجتهاد، أو الجنون، وهذا لو فرض في الإمام لم نخض فيه أيضاً، وفي فسق الإمام كلام مُخْطِر. فأما فسق القاضي، فيوجب صرفَه، وهل ينعزل بنفسه؟ قطع فقهاؤنا المعتبرون بانعزاله من غير حاجة إلى إنشاء عزل، وقال بعض الأصوليين من علمائنا: لا ينعزل، بل يُعزل، وينفذ من أحكامه ما يوافق الشرع.