ثم إذا جُنّ القاضي، ثم استبلّ، فهل هو على القضاء؟ فيه اختلاف مشهور بين الفقهاء: منهم من قال: قد انعزل بالجنون، كالوكيل يجن، ومنهم من قال: إذا استبلّ، فهو على ما كان عليه؛ فإنه متصدٍّ للولاية؛ فلا يقاس بالاستنابة الضعيفة.
والوجه الحكم بالانعزال؛ لأن تلك الولاية جائزة من جهة أنه يملك عزل نفسه.
والإمام -على الرأي الظاهر- يعزله أيضاً.
١٢٠٢٣ - ولو عزل الإمامُ القاضي؛ ففي انعزاله قبل بلوغ الخبر طريقان للأصحاب: منهم من قال: فيه قولان كالقولين في انعزال الوكيل قبل بلوغه خبر العزل. ومنهم من قال: لا ينعزل القاضي قبل بلوغ الخبر، قولاً واحداً؛ فإن الأمر في ذلك مُخطر، وتتبّع الأحكام التي أمضاها عسر، والأولى بالإمام أن يعلّق انعزاله ببلوغ الخبر، فيقول في كتابه:" إذا وقفتَ على كتابي، فأنت معزول ". ولو قال:" إذا قرأت كتابي، فأنت معزول " فلم يقرأه بنفسه، وقرىء عليه، قال الصيدلاني: ينعزل، وجهاً واحداً.
وقد ذكرنا في مسائل الطلاق تفصيلاً في ذلك، فرامَ الفرق بينهما؛ صائراً إلى أن تفاصيلَ الصفات مرعيةٌ في تعليق الطلاق، فإن ذكرنا خلافاً في صورةٍ، فسببه هذا، وأمر العزل يُرعى فيه الإعلامُ، ولا يردّد على دقائق الصفات، فإنّ قَصْدَ الإمام هذا، والقصد أغلب من صيغة اللفظ. ولو راعى الإمام غير الإعلام في ذلك، لكان في مقام العابث. هذا كلامُه، وهو حسن، ولكن اتفق الأصحاب على التسوية بين هذا وبين الطلاق في الخلاف والوفاق.
١٢٠٢٤ - ومما يتصل بهذا الفن أن القاضي إذا عُزل، أو انعزل، أو مات، وله مستخلفون، فكل من كان في أمرٍ جزئي لا يستقل، كمن يُصغي إلى شهادةٍ في خصومة معينة، فإنه ينعزل، ومن كان في أمر مستقل كمستخلَف بحكمٍ، أو قيّم في مال طفل، فحاصل ما ذكره الأصحاب في انعزال هؤلاء ثلاثة أوجه: