للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث - أن القاضي لو استخلفهم بالإذن، لم ينعزلوا، وكأنهم منصوبون من جهة الإمام، والقاضي واسطة في توليتهم.

وإن ملّكنا القاضيَ الاستخلافَ من غير إذنٍ صريح فيه، فإذا انعزل، انعزل مستخلَفوه؛ فصلنهم تفرعوا عليه حقاً في هذه الصورة.

وهذا التفصيل تخييل؛ فإنّا إذا ملّكناه الاستخلاف فصَدَرُه عن الإمام أيضاً.

ولو مات الإمام، فالذي ذهب إليه معظم الأصحاب القطع بأنه لا ينعزل ولاتُه، بخلاف خلفاء القاضي، فإنا لو حكمنا بانعزالهم، لتفاقم الأمر وعظُم الخطب (١)، وشغَرَت الخِطة عن أحكام الحكام إلى أن يظهر إمامٌ، وتوليةٌ من جهته.

ومن الفقهاء من طرد الخلاف في ولاة الإمام، وهذا بعيد.

١٢٠٢٥ - ومما يليق بهذا المنتهى أن القاضي إذا عُزل، فلو قال: قد كنت قضيت لفلان، لم يُقبل قوله، كالوكيل إذا انعزل، ثم أقر بتصرفٍ قَبْل الانعزال، فقوله مردود، ولو قال القاضي في زمان الولاية: قد قضيت لفلانٍ مُخبراً، فقوله مقبول، كالوكيل يقر في زمان الوكالة، ولا يُحوَج القاضي إلى إثبات ما أخبر عنه ببيّنة -وإن منعنا القضاء بالعلم- وهذا متفق عليه؛ ولو أُحْوج إلى البينة، فعند من يقيمها؟!

ولو شهد عدلان على قضاء القاضي بعد العزل: ثبت قضاؤه بالبينة، ولو شهد شاهد واحد، وانتصب القاضي المعزول شاهداً ثانياً على قضاء نفسه؛ فالذي ذهب إليه الأصحاب أن قوله مردود، وقال الأصطخري- فيما حكاه العراقيون: شهاته على قضاء نفسه مقبولة كشهادة المرضعة، فإنها تشهد على إرضاع نفسها، فتقبل شهاتها.

فإن جرينا على ما هو المذهب، ورددنا شهاته [مع شاهدٍ] (٢)، فقال: أشهد أنه قضى لفلان قاضٍ عدل ولم يسمّه، ففي قبول الشهادة على هذا الوجه وجهان- ذكرهما العراقيون: أحدهما - أن ذلك ممتنع؛ فإن الظاهر أنه يعني نفسه ويشبّب بها [والثاني -


(١) بين السطور إشارة إلى أنه في نسخة أخرى: الخطر بدلاً من الخطب.
(٢) تقدير من المحقق على ضوء السياق بمساعدة ما بقي من خيالات الحروف. ونحمد الله فقد صدقتنا (ق).