للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يتعلق بأطراف المسألة، أن المسألة إذا كانت مجتهداً فيها، فقضى القاضي بمذهبٍ يسوغ القضاء به ولا يتجه تفريع أحكام الفقه، إلا [على أن المصيب (١)] واحد غير متعين -فالذي ذهب إليه جماهير الفقهاء أن حكم الله باطناً يثبت في المجتهدات على اتحادٍ إذا نفذ القضاء، ويصير المقضي به حكم الله ظاهراً وباطناًً، واستدلوا عليه بامتناع جواز نقض القضاء في المجتهدات.

وذهب الأصوليون من الفقهاء إلى أن القاضي لا يغيّر حكمَ الله في الباطن، والأمر في المُصيب مبهم، كما كان، وهذا اختيار الأستاذ أبي إسحاق (٢)، وكان من الغلاة في الرد على من قال بتصويب المجتهدين، ولا يتجه عندنا إلا هذا، واتباعُ القاضي بحق الولاية؛ إذ لولا وجوب الاتباع، لانفرد كلٌّ بمذهبه، ولتقطّعت الآراء على الشتات، بين النفي والإثبات، وعدمُ نقض القضاء محمول على الاستمرار على حكم الولاية ومرتبتها، ولولا ذلك، لما حصلت الثقة بالقضاء في مسألة.

١٢٠٣٨ - وتمام البيان في هذا ما نذكره. فنقول: المقضي عليه في المجتَهَد فيه لا يجد محيصاً، وإن خالف القضاء مذهبَه، وهذا كقضاء الحنفي بشفعة الجوار على الشافعي، فأما إذا ادعى الشفعة بالجوار شافعي، أو ادعى التوريث بالرحم، [فإذا فرض القضاء له فمذهب الأستاذ وموافقيه] (٣) لا يُحِل للشافعي ما قُضِيَ له به، بل لا يُحل له الإقدامَ على الطلب.


(١) في الأصل: " إلا أن المصير " والمثبت من (ق).
(٢) الأستاذ أبو إسحاق: أي الإسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، ت ٤١٨ هـ.
فهذا هو الملقّب في كتب المذهب بالأستاذ، وتد تصحّف في (البيان) إلى أبي إسحاق المروزي: إبراهيم بن أحمد، ت ٣٤٠ هـ. وهو خلاف ما عند النووي في الروضة، والبغوي في التهذيب، والرافعي في الشرح الكبير.
(٣) عبارة الأصل كانت هكذا: " فإذا فرض القضاء وعلى مذهب الأستاذ موافقته " فانظر ما فيها من خلل!! والمثبت هدانا الله إليه بعد أن طال وقوفنا أمام هذه العبارة لنحو يومين، نقلّبُ (البسيط) و (الوسيط) و (الروضة) و (الشرح الكبير) و (البيان) و (التهذيب) ولم يغن عنا ذلك شيئاً إلا ما ألهمنا الله إياه آخراً. والحمد لله رب العالمين. ونسجد لله شكراً، فقد جاءتنا (ق) موافقة لما أثبتناه. فالحمد لله ملهم الصواب.