للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يعتاد إعلان ضميره، وكان خُبْثه فيما يتعاطاه دفيناً، فالاحتياط في مثل هذا الشخص يطولُ أمده، فإن لم يكن للرجل غائلة، بل كان يعلن ما رآه، فهذا الرجل يسهُل استبراؤه، وتقرب مدته. فهذا ما أردنا بيانه في الاستبراء عن سائر الكبائر.

١٢٠٤١ - فأما إذا قذف وتاب على ما وصفنا توبته، فهل تقبل شهاته في الحال من غير استبراء، أم لا بد من استبراء فيه؟ اختلف نص الشافعي، واختلف أصحابنا على طرق:

فمنهم من قال: في المسألة قولان: أحدهما - أنه يستبرأ قياساً على سائر الكبائر.

والثاني - أنه لا يستبرأ؛ فإنا نجوّز أن يكون صادقاً، ولا محمل لسائر الكبائر، هذه طريقة.

ومن أصحابنا من قال: النصان منزلان على حالين، فحيث قال: لا يستبرأ، أراد إذا جاء مجيءَ الشهود، فلم يوافقه الأصحاب (١) في إتمام الشهادة، وقلنا: إنه محدود، فإذا تاب -وحالته ما وصفناها- فلا استبراء؛ فإنه ما جاء مجيء القَذَفةِ، وإنما جاء شاهداً، وحيث قال: يستبرأ، أراد إذا جاء قاذفاً.

ومن أصحابنا من نزل النصين على حالين من وجه آخر، فقالوا: إن كذّب نفسه صريحاً، فلا بد من استبرائه، فإن الكذب في عظائم الأمور من عظائم الذنوب، وإن لم يصرح بتكذيب نفسه، فلا حاجة إلى الاستبراء، هذا كلام الأصحاب.

والوجه عندنا أن نقول: إذا صرح بتكذيب نفسه، فهذا يخرُج (٢) على التفاصيل، وترديد الأقوال، بل يُقطع فيه بالاستبراء، وإذا جاء قاذفاً، ففي الاستبراء قولان، وإن جاء مجيء الشهود، ورأينا أن نُحِدَّه عند نقص العدد، فإذا تاب، ففي الاستبراء قولان مبنيان على ما إذا جاء قاذفاً، وهذه الصورة أولى بأن لا يشترط الاستبراء منها، وقد نجز الغرض في توبة القاذف واستبرائه بعد التوبة.


(١) الأصحاب: المراد هنا باقي الشهود على الزنا.
(٢) يخرج على التفاصيل: أي ليس من هذا الباب، ولا مجال فيه للترديد.