وأما ما يعتمد السمع المجرد، وعبارة الأئمة فيه أنه يثبت بالتسامع، فقد ذكروا في هذا القسم ما يتفق عليه ويختلف فيه، فقالوا: النسب، والموت، والملك المطلق، تجوز الشهادة عليها بتسامع الأخبار، واختلف الأصحاب في الوقف، والنكاح، والولاء، وألحق العراقيون بالقسم المختلف فيه العتقَ اعتباراً بَالوقف، ففي هذه الأشياء وجهان: أظهرهما - أنه لا تجوز الشهادة عليها بالتسامع، وتظاهر الأخبار؛ لأن مشاهدة أسباب هذه الأشياء ممكنة، بخلاف النسب، والملك المطلق، والموت قد يقع في التقطعات والأسفار كذلك، وهذا غالب غير نادر.
والوجه الثاني - أنه تجوز الشهادة عليها بالتسامع؛ لأنها إذا ثبتت، بقيت ودامت، وشهود المشاهدة قد يزولون، فالوجه أن يقال: سبيل الشهادة عليها بالتسامع، وهذا ينضم إلى أن هذه الأشياء تُشهد غالباً، وليس كالبيع والشراء والهبات، وما في معناها. هذا هو الأصل.
وحكى القاضي أن من أصحابنا من ألحق الموت بالمختلف فيه، فإنه على الجملة مما يمكن فرض العِيان فيه، وهذا وإن كان منقاساً، فلا تعويل عليه؛ فإن موت الإنسان مما يشتهر، ويقع في الأفواه كالنسب، وعماد تحمل الشهادة هذا.
١٢٠٤٤ - والمقدار الدي ذكرناه نقلُ مراسم المذهب، ولا بد من وراء ذلك من تمهيد أصل، حتى إذا نجز، خضنا في استقصاء الجوانب، حتى لا نُبقي مشكلاً فيما نظن.
فنقول: عماد تحمل الشهادة: العلمُ، واليقينُ، وثلَجُ الصدر، كما ذكرناه في أول الباب. ولكن اعترض في مجاري الأحوال ما لا سبيل إلى درك اليقين فيه، والنزاع في مثله جائزٌ دائمُ الوقوع، ولا سبيل إلى تركه ناشباً بين الناس؛ فأثبت الشرع فيما لا يتصور فبه دركُ اليقين الشهادةَ [بالتسامع](١)، وسوّغ بناءها على ظنٍّ غالب، ولولا ذلك، لدامت الخصومات.
ومن جملة ما ذكرناه الملك، وهو مطلوبُ الخلق ومقصودُ الدنيا، ولا مستند له