للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استفراغ الوسع في مثله، من غير سرفٍ وتكلفِ أمرٍ يعد عسيراً في العُرف. هذا لا بد منه، ومن ضرورته اليد الدائمة، [والتصرفُ] (١) المشعرُ بالاستقلال.

ثم شَرَطَ القاضي التسامعَ بالملك، واكتفى غيره بعدم الاعتراض، ومن يتصرف فيما يعرف [لغيره] (٢) يُشهر [عنه] (٣) العدوان والاستقلالُ من غير استحقاق؛ فإن النفوس مجبولة على البحث عن أمثال ذلك، والأملاكُ مضنون بها، فإذا اطّرد التصرف [فيها] (٤) بغير حق أُشيع ذلك، وشُهِر ونُبّه المستحِق ليثور في طلب حقه، فإذا لم يحصل، غلب على الظن المِلكُ.

ثم من أسرار هذا الفصل أن من يكتفي باليد والتصرف على الحد الذي ذكرناه، فالغالب -في العادة- أن يتفاوض الناس بنسبة الملك إذا كانت الحالة هذه، وإن كان لا يتفوه به أماثل الناس، أشاعه الجيران، ثم أهل المَحِلّة، وهذا العدد كاف في التسامع؛ فإذاً يندر اجتماع اليد والتصرف على الاطراد، مع انتفاء النكير، وعدم ظهور المعترض والطالِب، من غير تسامع بالملك وتفوهٍ به على حد ظهور اليد والتصرف، فكأن الخلاف يؤول إلى أن المعتمد في ذلك اليد والتصرف، أم هما مع التسامع معتبره؟ وإلا فحكم الاعتياد ما ذكرناه.

فمن يعتمد الملكَ والتصرفَ يقول: تفاوض الناس بالملك منها، ومن يقول: التسامع معتبر، قال: إذا شاع التفاوض، فهذا إذا انتشر يثير المستحِق -لو كان- فيؤول اعتباره إلى عدم الإنكار والاعتراض، وبالجملة لا بد من المبالغة حتى تسوغ الشهادةُ على الملك، غير أن الأمارات التي تدل على الإعسار يختص بدركها أهلُ الباطن، والعلامةُ الدالة على الملك لا يختص بدركها من يخالط الرجلَ؛ فإنها على الظهور مبناها، وكل ما نبغي ظهورَه يستوي [فيه] (٥) المخالط وغيرُه، والمعتمد في


(١) في الأصل: " فالتصرف ".
(٢) في الأصل: " بغيره ".
(٣) في الأصل: " عند ".
(٤) في الأصل: " منها ".
(٥) في الأصل: " منه ".