للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإعسار الأمور الخفية التي يختص بدركها المخالطون، كالصبر على المضض سرّاً، والاستمرار على الإضاقة. والغالب أن [القادر] (١) لا يصابرها سرّاً، وإن أبدى على العلن مصابرتها، فيجب تنزيل كل شيء على حسب ما يليق به.

هذا بيان القول في التسامع بالملك المطلق.

١٢٠٤٧ - وقد حان أن نتكلم بعد هذا في حقيقة التسامع ومعناه؛ فإن الحاجة ماسة إليه في الأنساب؛ إذ لا مُدركَ لها إلا التسامع: فالذي ذكره القاضي وشيخي وغيرُهما أن التسامع هو الاستفاضة، والتلقي من مُسمِعين لا يتأتى حصرهم. وذكر العراقيون أنه يكفي في التسامع السماع من عدلين، فلو سمع رجل عدلين يقولان: فلان بنُ

فلان، فيجوز التلقي منهما، وبتُّ الشهادة على النسب، ثم قالوا: ليس هذا شهادة على شهادة العدلين، بل هو بناء الشهادة على التسامع، حتى [لو لم يُذكر] (٢) لفظ الشهادة، ولم يشهد السامع عنها، فللسامع أن يشهد النسب، وإذا شهد، لم يأت بشهاته على صيغة الشهادة على الشهادة، بل يأتي بها مبتوتة.

وذكر الشيخ أبو علي وجهين: أحدهما - اشتراط الاستفاضة، وقال: معناها أن يقول ذلك قوم لا يجوز منهم التواطؤ على الكذب في العادة، والوجه الثاني - أنه يكفي السماع من عدلين.

وهذا الوجه- وهو الاكتفاء بالسماع من عدلين- وإن كان بعيداً عن قياسنا، فهو متجه عندي؛ من جهة أن التواتر إنما يفيد العلم إذا كان مستنداً إلى معاينة المخبرين، هذا لا بد منه، ويعرِفُ ذلك مَنْ تلقَّى أصول الفقه من مجموعاتنا. وهذا غير ممكن في الأنساب، فإنه لا مستند لها من عِيان.

ثم الذي أراه أن من اشترط الاستفاضة، فربما يكتفي بالإشاعة من غير نكير؛ فإن


(١) في الأصل: " المكاتمة ". والمثبت من لفظ (البسيط).
والمراد بالقادر غير المعسر إذا ادعى الإعسار، فهو لا يصابر الإضاقة والجوع سرّاً، ان كان يعالن بذلك، ولذا قلنا: لا يُعرف الإعسار إلا من المخالط.
(٢) في الأصل: " لو يذكر".