للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التواتر إذا كان لا يوجب العلم الباطن -وهو العلم حقاً- فالعماد (١) أمر يرجع إلى العادة في إثارة غلبات الظنون، وهذا يُكتفى فيه بالإشاعة، وعدم النكير.

ثم إن العراقيين جاوزوا الحدَّ، وقالوا: لسنا نشترط السماعَ من شاهدين أيضاً، بل نكتفي بدون ذلك، فنقول: إذا رأى الرجل رجلاً، وفي يده صبي صغير، وهو يصرح باستلحاقه، فتجوز الشهادة على نسبه بمجرد ذلك، وكذلك لو قال لكبير: هذا ابني، وذلك الشخص ساكت لا يرد عليه، فتجوز الشهادة على النسب بذلك، وكذلك لو قال بالغٌ هذا أبي، وسكت ذلك الشخص، فتجوز الشهادة على النسب بينهما.

وهذا في قياس الفقه خطاً صريح؛ فإن قول الشخص الواحد -من غير إشاعة- في حكم الدعوى، حيث ذكروه، ونحن وإن كنا نثبت نسب المنبوذ بالدِّعوة (٢)، فيستحيل أن نجوّز اعتمادها للشهادة على النسب مطلقاً. نعم، يشهد الشاهد على الدِّعوة، ثم يقع الحكم بموجبها. فهذا ما أردنا ذكره في معنى التسامع.

١٢٠٤٨ - ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أن من أصحابنا من يُلحق الانتماء إلى الأم بالانتساب إلى الأب في جواز اعتماد التسامع. ومنهم من قال: الانتماء إلى الأم بطريق الولادة لا يثبت بتسامعٍ؛ فإن العِيان في الولادة ممكن، بخلاف الانتساب إلى الأب.

وهذا الخلاف قريب المأخذ من تردد الأئمة في أن المرأة إذا ادعت مولوداً مجهولاً، فهل تثبت الأمومة بالدِّعوة المجردة، كما تثبت الأبوة بها، وسيأتي ذكر هذا في باب [القائف] (٣)، إن شاء الله عز وجل.

ثم قال الأئمة: الشهادة اعتماداً على التسامع إنما تفيد إذا كان صَدَرُها من بصير، فيقول: هذا ابن هذا، وقد يطلق المطلِق أن ما يُعتمد السماعُ، فالأعمى فيه كالبصير، وهذا ليس يصدر عن تثبت؛ فإن الأعمى لو قال: زيد هو ابن عمرو،


(١) العماد: أي المعتمد، والمطلوب لبناء الشهادة عليه.
(٢) الدِّعوة: بالكسر: ادعاء الولد (المصباح).
(٣) في الأصل: "القاذف".