للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحالة هذه- وجهان مشهوران: قال القاضي: الأصح أنها تقبل، لما ذكرناه في حصول العلم واليقين، وهو المطلوب. ومنهم من قال: لا تقبل، فإن تصوير الضبط على التدقيق الذي ذكرناه عسر؛ فلا يجوز فتح هذا الباب.

وقد تردد أئمتنا في رواية الأعمى، والأظهر منعُها إذا كان السماع في حال العمى، وقال قائلون: يجوز إذا حصلت الثقة الظاهرة، واستدل هؤلاء بأن عائشة كانت تروي وراء الستر، ومعظم الروايات عنها كذلك، والبصراء في هذا المقام كالعميان، وما ذكرناه فيه إذا كان يفرض التحمل في حال العمى.

فأما إذا تحمل الشهادة بصيراً، وأداها ضريراً على نسب مشهور، [مثل] (١) أن يسمع إقراراً، ويرى المقر، ونسبُه مشهور لا نزاع فيه، فإذا عمي قال: أشهد أن فلانَ بنَ فلانٍ أقر، فشهادته مقبولة، خلافاً لأبي حنيفة (٢) رضوان الله عليه.

والأعمى لا يجوز أن يكون قاضياً، لأنه لا يميّز بين الشهود، والمدعي والمدعى عليه، فإن سمع الشهادة على واحد، ولم يبق إلا القضاء، فعمي، فقال: قضيت على فلان، فهل ينفذ حكمه في هذه القضية الخاصة؟ اختلف أصحابنا في المسألة، فمنهم من قال: يثبت، وهو الذي صححه القاضي ولم ينقل غيرَه. ومنهم من قال: ينعزل بالعمى، ويمتنع عليه القضاء عموماً.

ومن جملة ما يمتنع عليه تنفيذ تلك القضية.

١٢٠٥٠ - ومن تمام الكلام في هذا الفصل أنا ذكرنا اختلاف الأصحاب بأن الشهادة على الوقف هل يجوز أن تعتمد التسامعَ، ثم الذي ذكره الصيدلاني والمحققون في الطرق أن الوجهين يجريان في الوقف على معيّن جريانَهما في الوقف على جهة عامة، كجهة الفقراء والمساكين وغيرهما، وكان شيخي يقول: الوجهان في الوقف على الجهات العامة، فأما الوقف على معيّن، فلا يجوز إسناد الشهادة فيه على التسامع.

وهذا لا أعتدّ به؛ من جهة جريان الخلاف في النكاح، مع اختصاصها بشخصين


(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) ر. مختصر الطحاوي: ٣٣٢، مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٣٦ مسألة ١٤٦٧.