للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنصبت قيِّماً، فادعى عليها: على أبيها (١) مالاً، فلان بن فلان، فأنكرت أنها ابنته، فأقام الخصم البيّنةَ على أنها بنتُ فلانِ بنِ فلان، فسمعتُ البينة، وسجلت على إقرارها للأول؛ تعويلاً على النسب [الذي] (٢) ثبت عندي.

فقال له بعض المحصلين: هل يسوغ للقاضي مثل هذه الحيلة، وهي تلبيسٌ؟ قال: بلى (٣)؛ قال صلى الله عليه وسلم لعامل خيبر في القصة المعروفة: " أوه!! عين الربا، لا تفعلوا هكذا، ولكن بيعوا الجَمْع بالدراهم، واشتروا بها الجنيب " (٤).

وقال تعالى في قصة أيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ} [ص: ٤٤]، ويمينه مشهورة، فأبرّه الله تعالى بما ذكر.

وهذا كلام ملتبس. والقاضي مصرح بأن له نصب القيّم ابتداء، واحتجاجُه بما ذكره دليل على اعتقاده أن ذلك مما يسوغ من القضاة ابتداؤه توصلاً إلى إثبات الغرض.

ولست أرى الأمر كذلك؛ فإنّ نَصْب القاضي قيماً، وتكليفَه الدعوى عن غائب، أو عن جهة نفسه -وإن لم يفرض قيّماً- تلقينُ دعوى باطلة، والدعوى الباطلة كلا دعوى، فكيف يسوغ بناء الشهادة عليها؟ وأنّى يشبه هذا قصةَ عامل خيبر!! والذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعٌ صحيح، والقصود لا تُبطل العقود، وقصةُ أيوب مَحملها أن الضرب بالضِّغث وفاءٌ باليمين، إذا (٥) اشتمل على قضبانٍ على العدد المذكور في اليمين.

فالوجه أن يقال: إذا كان وكلاء المجلس (٦) يتفطنون لمثل هذا، فلو نصبوا مدعياً


(١) المعنى أنه طالبها بدين على أبيها: فلان بن فلان -وتركتُه عندها- وهذا الاسم الذي ينسبها إليه اسمٌ مفترض، لا علاقة لها به، فتنكر بالضرورة، فيقيم الخصم البينة على نسبها، فيسجل القاضي إقرارها. (٢) في (٢) الأصل: " التي ".
(٣) بلى: بمعنى نعم، مع أنها في جواب الإثبات، وذلك جائز، وعليه شواهد من صحيح البخاري ومسلم، وقد تقدم هذا موضحاً مفصلاً.
(٤) سبق هذا الحديث في باب الربا.
(٥) إذا: بمعنى (إذ).
(٦) لم يسبق ذكر (وكلاء المجلس) ولا بيان لمن يعنيهم الإمام بذلك، بل عُني بتفسير (أصحاب=