للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو أشهد المودَع شاهدين على الرد، فلما أراد إثباته بشهاتهما، قالا: لا نشهد، قم فاحلف، فليس لهما ذلك.

وقد قال الأئمة: لم يرد على شيء من الكبائر الوعيدُ الواردُ على كتمان الشهادة؛ فإنه سبحانه قال: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣]، قيل في التفسير؛ ومن يكتمها مسخ الله قلبه، وانتزع منه حلاوةَ الطاعة، والاستشعار (١) من ملابسة المعصية.

وإن كان الشاهد غائباً، نُظر: إن كان على مسافة يؤويه الليلُ إلى منزله، لزمه أن يحضر ويؤدي الشهادة، قال الأصحاب: له أن يطلب مركوباً، ثم زادوا، فقالوا: له أن يطلب أجرة مركوب، ثم إن لم يركب، فلا عليه.

قال القاضي: لا يحل أخذ الأجرة على إقامة الشهادة؛ فإنه التزمها لمَّا تحملها، فلزمه إيفاؤها، وإنما الأجرة على ما يناله من نَصَبِ المشي، وهذا مشكل عندي؛ فإن المشي إن لم يكن مستحَقاً، فليس عليه أن يمشي، وإن كان مستحَقاً، فأخْذ الأجرة على المستحَق بعيد. نعم، له أن يقول: اكفني المشقة بإحضار مركوب، وفيه أيضاً [مجالٌ للناظر] (٢)؛ فإنه ورّط نفسه في ذلك، ولكن رأيت الطرق مشيرة إلى أن له أن يستدعي مركوباً، فهذا تمام التنبيه على الغرض.

١٢٠٥٨ - ولو سمع رجلان إقرار رجل، ولم يُشهدْهما، فلهما أن يشهدا على إقراره، وهل يلزمهما ذلك؟ اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: يلزمهما، كما لو أُشهدا، ومنم من قال: لا يَلزمهما، بخلاف ما لو تحملا؛ فإن التحمل التزام، وكأنه بمثابة ضمان الأموال، أثبته الشرع مُلزماً، ومن يوجب إقامةَ الشهادة، فلا محمل له إلا الحِسبةُ في تدارك ما أشرف على الضياع، وقد اختلف أصحاب أبي حنيفة (٣) رضوان الله عليه حَسَب اختلافنا.


(١) المعنى: انتزع منه الأحساس بالخوف من ملابسة المعاصي، فتردّى فيها، والعياذ بالله.
(٢) في الأصل: " مجال الناظر ".
(٣) ر. مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٥٨ مسألة: ١٤٩١، مختصر الطحاوي: ٣٣٦.