ثم قراءة الفاتحة ركن في صلاة الإمام والمنفرد، وأما المأموم، فإنه يقرأ الفاتحة خلف الإمام، وهو حتم واجب عليه، ولا فرق بين أن تكون الصلاة جهرية أو سرية.
وحكى المزني قولاً آخر عن الشافعي: أنه إن أسر الإمام، قرأ المأموم حتماً، وإن جهر القراءة، سقطت القراءة عن المأموم. وهذا مذهب مالك (١)، والمزني لم ينقل بنفسه عن الشافعي إلا هذا القول، ونقل القول الأول عن الأصحاب عن الشافعي.
فهذه قواعد المذهب في القراءة، ونحن الآن نبتدىء تفصيل المذهب في القراءة في فصلين: أحدهما - في قراءة القارىء القادر على القراءة. والثاني - في قراءة العاجز عن قراءة الفاتحة. فأما
الفصل الأول
٨٠٩ - من تمكن من قراءة الفاتحة، لزمته. وقد ذكرنا التفصيل في المأموم. ثم يجب الإتيان بحروف الفاتحة من مجاريها، فلو أخل بحرفٍ، لم تصح الصلاة، ومن الإخلال تخفيف المشدَّد؛ فإن المشدّد حرفان مِثلان أولهما ساكن، وإذا خفَّفَ، فقد أسقط حرفاً. وكان شيخي يتردد في إبدال الضّاد ظاءً في قوله (ولا الضالين)؛ فإن هذا لا يتبين إلا للخواصّ، وهو مما يتسامح فيه عند بعض أصحابنا. والصحيح القطع بأن ذلك لا يجوز؛ فإن الظاء والضاد حرفان متغايران، فإذا حصل الإبدال، فالذي جاء به ليس الحرف المطلوب.
٨١٠ - ثم لو ترك الفاتحة من أوجبناها عليه عامداً، لم تصح صلاته، ولو تركها ناسياً، فالمنصوص عليه في الجديد -وهو المذهب- أن الركعة التي خلت عن قراءة الفاتحة لا يُعتد بها، وتركُ القراءة ناسياً كترك الركوع والسجود.
ونُسب إلى الشافعي قولٌ قديم: أنه يُعذر التارك ناسياً، وتصح الركعة، وجعل النسيان بمثابة إدراك المقتدي الإمامَ راكعاً؛ فإنه يصير مدركاً للركعة وإن لم يقرأ.