الجواب: الإكراه هو إجبار شخص بغير حق على أمر لا يرضاه والإكراه من عوارض الأهلية عند الأصوليين وهي أمور تعترض على أهلية المكلف فتحدث فيها تغييراً. ومن المعروف عند أهل العلم أن الإكراه هو أحد أسباب الضرورة وقد جعل كثير من العلماء الإكراه على نوعين: وهما الإكراه الملجئ وهو ما كان التهديد فيه بالقتل وهذا هو الإكراه الكامل. والإكراه غير الملجئ وهو إكراه ناقص كالتهديد بالحبس أوالتهديد بحبس قريب المكره كحبس أمه أو أبيه أو ابنه أو غيرهم. وأما تأثير الإكراه في المحرمات فقد جعل العلماء ذلك على أربعة اقسام: الأول: تباح بعض المحرمات في حالة الإكراه كأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر وذلك إذا كان الإكراه ملجئاً قال الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) سورة الأنعام الآية ١١٩. والمكره مضطر فيدخل في الحكم. الثاني: [يرخص في الفعل أي أن الإكراه لا يبيحه لأن حرمته مؤبدة ولكن يمنع الإثم والمؤاخذة الأخروية. مثل إجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب بالإيمان. فإن ذلك يباح بالإكراه الملجئ فقط وإن صبر الشخص على ما أكره عليه وقتل صار شهيداً والأفضل عند الحنفية والحنابلة عدم التلفظ بالكفر إظهاراً لعزة الإسلام وإعلاءً لكلمة الحق عملاً بقصة خبيب بن عدي وعمار حيث قتل المشركون أهل مكة خبيباً لأنه لم يوافقهم على ما زعموا فكان عند المسلمين أفضل من عمار الذي نال في الظاهر من الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير وأقره الرسول على فعله وقال له:(إن عادوا فعد) أي فإن عادوا إلى الإكراه فعد إلى الترخص أو فإن عادوا إلى الإكراه فعد إلى طمأنينة القلب. الثالث: لا يباح الفعل ولكن يرخص فيه في الجملة وهي حقوق العباد كإتلاف مال الغير وتناول المضطر مال غيره فإن ذلك حرام ولكن هذه الحرمة قد تزول بإذن صاحب المال بالتصرف وإذا أكره الشخص على الإتلاف إكراهاً ملجئاً أواضطر إلى أخذ المال للانتفاع به فإنه يرخص له فيه مع بقاء الحرمة كالقسم السابق لأن إتلاف المال في ذاته ظلم وبالإكراه ونحوه لا تزول عصمة المال في حق صاحبه لبقاء حاجته إليه فيكون إتلافه وإن رخص فيه باقياً على الحرمة فإن صبر المستكره على ما هدد به كالقتل مثلاً وقتل كان شهيداً لأنه بذل نفسه لدفع الظلم] نظرية الضرورة الشرعية ص٢٨١-٢٨٢. الرابع: لا يباح الفعل ولا يرخص فيه أصلاً كالقتل بغير حق والاعتداء على عضو من الأعضاء والزنا فهذه الأمور لا تحل بالإكراه مطلقاً. وقد اتفق أهل العلم على أن قتل المسلم لا يباح تحت أي ظرف من ظروف الإكراه والاضطرار فقتل المسلم لا يحله إكراه ولا اضطرار. قال القرطبي:[أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره ويصبر على البلاء الذي نزل به ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة] تفسير القرطبي ١٠/١٨٣. وقال الزيلعي الفقيه الحنفي:[لو أكره على قتل غيره بالقتل لا يرخص له القتل لإحياء نفسه لأن دليل الرخصة خوف التلف والمكره والمكره عليه في ذلك سواء فسقط الإكراه وإن قتله أثم لأن الحرمة بما فيه وكذا الإكراه على الزنا لا يرخص له] تبيين الحقائق ٥/١٨٦. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[والمقصود أنه إذا كان المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوماً فكيف بالمكره على قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام؟! كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم فلا ريب أن هذا يجب عليه إذا أكره على الحضور أن لا يقاتل وإن قتله المسلمون كما لو أكرهه الكفار على حضور صفهم ليقاتل المسلمين وكما لو أكره رجل رجلاً على قتل مسلم معصوم فإنه لا يجوز له قتله باتفاق المسلمين وإن أكرهه بالقتل فإنه ليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس] مجموع الفتاوى ٢٨/٥٣٩. وقد وردت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم قتل المسلم قال تعالى:(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) سورة الإسراء الآية ٣٣. وقال تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً) سورة النساء الآية ٩٢. وقال تعالى:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) سورة النساء الآية ٩٣. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم. وقال عليه الصلاة والسلام:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ... كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من النصوص. ولا يجوز أن يقال إن الإكراه يبيح قتل المسلم لأن الضرورات تبيح المحظورات. فإن هذه القاعدة الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات) ليست على إطلاقها فإنها لا تدخل في بعض الأمور وخاصة القتل والزنا. قال العلامة علي حيدر في شرح المجلة:[إن الضرورات لا تبيح كل المحظورات بل يجب أن تكون المحظورات دون الضرورات أما إذا كانت الممنوعات أو المحظورات أكثر من الضرورات فلا يجوز إجراؤها ولا تصبح مباحة مثال: لو أن شخصاً هدد آخر بالقتل أو بقطع العضو وأجبره على قتل شخص فلا يحق للمكره أن يوقع القتل لأن الضرورة هنا مساوية للمحظور بل أن قتل المكره أخف ضرراً من أن يقتل شخصاً آخر في الحالة هذه إذا أوقع ذلك المكره القتل يكون حكمه حكم القاتل بلا إكراه أما من جهة القصاص فينفذ في حق كل من المجبر والمكره] درر الحكام شرح مجلة الحكام ١/٣٨ ويضاف لما سبق أن دفع الإنسان الضرر عن نفسه مقيد بألا يلحق بغيره الضرر وقد ورد في القاعدة الفقهية (الضرر لا يزال بمثله) . فلا يجوز للمكره على القتل ان ينجي نفسه بقتل غيره لأن النفوس متساوية وغير متفاوتة. وخلاصة الأمر أن قتل المسلم لا يباح لا بالإكراه ولا بالضرورة وكذا الزنا على مذهب جمهور أهل العلم ويجوز للمسلم أن يتلفظ بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان كما يجوز تناول المحرمات من الأطعمة والأشربة في حالتي الإكراه الملجئ والاضطرار.