يقول السائل: إ نه قرأ مقالاً في إحدى المجلات بعنوان هرمجدون وذكر الكاتب كلاماً عن هذه المعركة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عنها في صحاح الآثار. فما قولكم في ذلك؟
الجواب: قرأت المقال المشار إليه وقد استغربت أن ينشر مثل هذا الهراء في مجلة إسلامية محترمة على أنه حقائق شرعية صحيحة وقد بدأ الكاتب مقاله بأسلوب مثير حيث قال: [ما أدراك ما هرمجدون؟ إنها الواقعة العظيمة والحرب المدمرة ... إنها الحرب التحالفية القادمة التي ينتظرها جميع أهل الأرض اليوم. إنها الحرب الدينية السياسية إنها أعظم وأشرس حروب التاريخ إنها المعركة الحاسمة والتي يجري إعداد مسرحها الآن إنها الحرب النووية العالمية متعددة الأطراف إنها الحرب التي يعم قبلها السلام المشبوه فيقول الناس حل السلام وحل الأمن إنها بداية النهاية إنها الحرب التي سيخسر فيها اليهود ويكسرون] ثم ذكر الكاتب أقوال عدد من القساوسة والزعماء الغربيين عن المعركة ثم قال الكاتب تحت عنوان المسلمون وهرمجدون: [بدأ بعض الكتاب المسلمين يهتم بأمر هذه المعركة ويصدر المقالات الهامة على حين نجد أقواماً من المسلمين لا يدرون ما هرمجدون!! وما تعني هذه الكلمة في قواميس أهل الكتاب. إن رسولنا الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا في صحاح الآثار عن هذه المنازلة الاستراتيجية الضخمة القريبة وإنها ستكون حرباً تحالفية عالمية: فقد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود وابن ماجة وابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فيغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون لكم ثمانين غاية (علم وراية) مع كل غاية اثنا عشر ألفاً) وكما هو واضح من نص الحديث أن ثمة حربين ستقعان: الأولى: وهي هرمجدون العالمية وهي التي يعرفها جميع أهل الكتاب ويتوقعونها. والثانية: الملحمة الكبرى والتي ستكون بعد حرب " هرمجدون " بين المسلمين من جهة وأوروبا وأمريكا من جهة أخرى نتيجة غدر الروم بنا. فحرب " هر مجدون " ستكون حرباً مدمرة نووية تفني معظم الأسلحة الاستراتيجية وعالمية يكون المسلمون والروم (أوروبا وأمريكا) طرفاً واحداً لا محالة فيقاتلون عدواً مشتركاً يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عدواً من ورائهم) والطرف الآخر لن يكون إلا المعسكر الشرقي وسيكون النصر حليف معسكرنا تدور رحاها في أرض فلسطين حيث تلتقي جيوش جرارة تقضي على جميع الأسلحة النووية والاستراتيجية وتعود الكلمة إلى السيوف والرماح والخيل] إلى آخر ما جاء في المقال. وأقول جواباً على هذا الكلام: إن ظاهرة القصص والحكايات والخرافات لا زالت منتشرة ومصدقة عند المسلمين ومن المعروف أن القصاص مولعون بنشر الغرائب والخرافات ليجذبوا إليهم الناس ويستميلوهم ومن هؤلاء القصاص الجدد من يسعى إلى تحقيق أهداف مادية من وراء نشر كتب حافلة بالغرائب والعجائب مثل كتاب " هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام " وكتاب " عمر أمة الإسلام " وغيرهما من الكتب. إن هؤلاء جميعاً يعتمدون على مصادر غير إسلامية في كتاباتهم بشكل أساسي ثم يطعمونها بمجموعة من أحاديث الفتن والملاحم ومعظم هذه الأحاديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ضعيف لا يصح الاستدلال به. إن مصادرنا الإسلامية ليس فيها ذكر لمعركة هرمجدون فيما أعلم. وإنما ورد ذكر هذه المعركة في المصادر النصرانية كما في رؤيا يوحنا اللاهوتي حيث ذكر معركة هرمجدون ونص الرؤيا:[ورأيت في فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الكذاب ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القادر على كل شيء ها أنا آتي كلص طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عريته فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون] سفر الرؤيا ١٦/١٦ نقلاً عن كتاب تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب هرمجدون ص ٨. وأما الحديث الذي ذكره صاحب المقالة فلا ذكر فيه لمعركة هرمجدون ولا أدري كيف يجزم صاحب المقالة [بأن رسولنا الأمين محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا في صحاح الآثار عن هذه المنازلة الاستراتيجية الضخمة القريبة] ثم ذكر الحديث: (ستصالحون الروم ...إلخ) ثم قال: وكما هو واضح من نص الحديث أن ثمة حربين ستقعان الأولى: وهي هر مجدون العالمية ... وما زعمه الكاتب أنه واضح من نص الحديث فكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الحديث ليس فيه شيء عن هرمجدون فكيف يكون واضحاً من نص الحديث؟ إن تنزيل النصوص الشرعية على وقائع حدثت أو ستحدث لمن المنزلقات الكبرى التي وقع فيها كثير من القصاص الجدد ومنهم صاحب كتاب هرمجدون حيث إنه ذكر عدداً من أحاديث الفتن والملاحم وزعم أنها تنطبق على هذه المعركة وقد قام زميلنا الدكتور موسى البسيط بتخريج الأحاديث والآثار الواردة في ذلك الكتاب ووصل إلى نتيجة مفادها: [أولاً: إن ما يزيد عن ٨٥% من الأحاديث والآثار والروايات التي استدل بها المؤلف إنما هي ضعيفة أو ضعيفة جداً أو مكذوبة أو لا يجزم بصحتها. ثانياً: أورد المؤلف نصاً زعم أنه في مخطوط نادر يعود إلى القرن الثالث الهجري ونسبه إلى كتاب والنص ليس له سند ولم يورد لنا ما يوثق المخطوط وقد نسب النص إلى الصحابة أبي هريرة وابن عباس وعلي رضي الله عنهم زوراً وبهتاناً زاعماً أن مثل هذا أخفاه أبو هريرة في الجراب الذي لم يبثه. ثالثاً: ما أورده المؤلف من الأحاديث الصحيحة لها معان محتملة لا يقطع بإنزالها على الواقع وأحداثه. رابعاً: أكثر الروايات منبعها كتاب الفتن " لنعيم بن حماد " ونعيم على الرغم من إمامته في السنة وتوثيق بعض العلماء له إلا أنهم عابوا عليه كثرة مناكيره وما تفرد به من روايات كثيرة في الفتن حتى إن من العلماء من أطلق الضعف فيه. خامساً: وروايات نعيم التي ساقها المؤلف غالباً ما تنتهي إلى كعب الأحبار وكعب وإن كان ثقة إلا أنه أكثر من الرواية عن أهل الكتاب حتى اتهم بالكذب بمعنى أنه يخبر بأحداث ووقائع أنها ستقع فلا تقع. وقال ابن الجوزي: إن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذباً لا أنه يتعمد الكذب. سادساً: ومع الضعف الشديد في الروايات ومع أنها في كثير من الأحيان هي في أساسها ومنبعها إسرائيليات لا يوثق بها بتاتاً أو هي أقوال رجال من التابعين. إلا أن المؤلف أطلق لخياله العنان في تنزيل الروايات ولو ذهب به الأمر إلى تحريف الألفاظ على الواقع وهذا ضرب من التزوير كما في رواية: (رجل أخنس بمصر " انظر رقم ١، ٢، ورواية " الأعرج الكندي " رقم ١٣. سابعاً: لا ينبغي أن نتبع أهل الكتاب في حمى تحديد نهاية للعالم والمصادر التي يستندون إليها مصادر ليس لنا ثقة في كلمة منها فكيف نبني عليها عقيدة! ومعلوم أن المنهج الإسلامي في الضبط والنقد والتوثيق منهج متميز والله تعالى ينهى عن اتباع الظن والرجم بالغيب فيقول الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) سورة الإسراء الآية ٣٦.] تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب هر مجدون ص٧٦-٧٧. ومن أعظم الكذب والدجل الذي ساقه صاحب كتاب هر مجدون نقلاً عن كتاب مخطوط زعم أنه موجود بإحدى المكتبات في تركيا وجاء فيه ما يلي: [حرب آخر الزمان حرب كونية المرة الثالثة بعد اثنين كبريين يموت فيهما خلائق كثيرة الأولى أشعلها رجل كنيته السيد الكبير وتنادي الدنيا باسم هتللر ... ثم قال: وهذا مما رواه أبو هريرة وابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي رواية خاف أن يحدث بها أبو هريرة ولما أحس الموت خاف أن يكتم علماً فقال لمن حوله: (في نبأ علمته عما هو كائن في حروب آخر الزمن فقالوا: أخبرنا ولا بأس جزاك الله خيراً فقال: في عقود الهجرة بعد ألف وثلاثمائة واعقدوا عقوداً يرى ملك الروم أن حرب الدنيا كلها يجب أن تكون فأراد الله له حرباً ولم يذهب طويل زمن عقد وعقد فسلط رجل من بلاد اسمها جرمن له اسم الهر أراد أن يملك الدنيا ويحارب الكل في بلاد ثلج وخير فأمسى في غضب الله بعد سنوات نار أراده قتيلاً سر الروش أو الروس. وفي عقود الهجرة بعد الألف وثلاثمائة عد خمساً أو ستاً يحكم مصر رجل يكنى ناصر يدعوه العرب شجاع العرب وأذله الله في حرب وحرب وما كان منصوراً ويريد الله لمصر نصراً له حقاً في أحب شهوره وهو له فأرضى مصر رب البيت والعرب بأسمر سادا أبوه أنور منه لكنه صالح لصوص المسجد الأقصى بالبلد الحزين وفي عراق الشأم رجل متجبر ... و... سفياني في إحدى عينيه كسل قليل واسمه من الصدام وهو صدام لمن عارضه الدنيا جمعت له في كوت صغير دخلها وهو مدهون ولا خير في السفياني إلا بالإسلام وهو خير وشر والويل لخائن المهدي الأمين. وفي عقود الهجرة الألف وأربعمائة واعقد اثنين أو ثلاثاً ... يخرج المهدي الأمين ويحارب كل الكون يجمعون له الضالون والمغضوب عليهم والذين مردوا على النفاق في بلاد الإسراء والمعراج عند جبل مجدون وتخرج له ملكة الدنيا والمكر زانية اسمها أمريكا. ... إلخ هذا الدجل والهراء) ولنا أن نسأل بعد التأمل في هذا النص كيف يستخف بالعقول بمثل هذا المخطوط المزعوم؟ فأين هذا المخطوط؟ وما رقمه؟ وأين هي صورته؟ وما إسناده؟ ومن الذي كتبه وألفه؟ ولماذا ظهرت القطعة في هذه الأيام تحديداً ثم لماذا توقفت في رؤساء مصر عند عهد السادات ولم تأت بشيء بعده؟ إنها مخطوطة سحرية عجيبة حفلت بتفاصيل لا بل قل أكاذيب منسوبة إلى الصحابة ونراها تحدد اسم الرئيس واسم والده وتبين صفة عينه ولون بشرته ...إن علامات الوضع والكذب الصريح على الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة في هذه الورقة التي لا يصدق نسبها إلى رسول الله إلا رجل أبله مختل العقل لا يفقه عن الأحاديث وضوابط رواياتها شيئاً. ثم إن مقتضى أن يروى هذا النص عن الصحابة الثلاثة أن تشتهر هذه الرواية فكل صحابي من هؤلاء مفترض أن يسمع منه هذا النص اثنان من التابعين على الأقل ثم في الطبقة الثالثة يذيع ويشيع ويتواتر حتى نجده في كل كتب الحديث فأين هذا الذيوع وهذه الشهرة؟؟؟] تخريج الأحاديث والآثار الواردة ص٢٤-٢٦. وخلاصة الأمر أنه لا يشك كل من شمَّ رائحة العلم، أن هذا الكتاب المدَّعى كذب وإفك، جازى الله واضعه أسوأ الجزاء، وجلله بالفضيحة والخزي في الدنيا والآخرة إن أدلة وضع تلك النقول على رسولنا صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصى: منها انفراد ذلك الكاتب المجهول بها، وانفراد ذلك المخطوط المزعوم بها، وانفراد مؤلفه المجهول بها مع كثرة ما كتبه أئمة الإسلام في جميع عصوره عن المهدي وعلامات الساعة، وجمعهم ما صح في ذلك وما ضعف وما بطل، وليس فيها تلك النقول، ثم أين إسناد ذلك المؤلف المزعوم أنه من علماء القرن الثالث؟ حتى ننظر في إسناد خبره ذاك، وهذه هي فضيلة الإسناد! إذ (لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) ، كما كان يقول عبد الله بن المبارك وغيره من أئمة الإسلام، ثم من يخفى عليه ما تضمنته تلك النقول من الركاكة والسماجة في الألفاظ والأسلوب، التي هي أبعد ما تكون عن بيان وجلالة الأحاديث النبوية، مما لا يخفى كذبه على عاقل، فضلاً عن عالم!!. إن اعتماد مؤلف كتاب (هرمجدون) على مثل هذه النقول، يدل على أحد أمرين: إما على جهل بالغ بالسنة، لا يجوز معه أن يتفوه فيها إلا بما صححه الأئمة المعتبرون، أو أنه ضم مع الجهل السابق غرضاً دنيوياً فاسداً، أراد من ورائه الشهرة والمال، أو إفساد دين الأمة وتصوراتها. راجع موقع الإسلام اليوم على شبكة الإنترنت.