يقول السائل: سأل أحد الحجاج شيخاً قبل سفره إلى الحج عن توكيل أهله في ذبح الهدي ببلده وتوزيعه على الفقراء فأجابه بجواز ذلك فما قولكم أفيدونا؟ الجواب: الهدي هو ما يهدى للحرم من الأنعام (الإبل والبقر والغنم) قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} سورة البقرة ١٩٦. وقال الله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} سورة المائدة الآية ٩٥. وقد اتفق أهل العلم على أن محل ذبح الهدي هو الحرم ويشمل ذلك منى ومكة المكرمة، قال القرطبي: [أما الهدي فلا خلاف أنه لا بد له من مكة لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} ] تفسير القرطبي ٦/٣١٦ ويجوز الذبح في أي موضع شاء من الحرم، وفي أي موضع من منى لما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (منى كلها منحر، وكل فجاج مكة طريق ومنحر) رواه أبو داود وابن ماجة وقال الألباني: حسن صحيح انظر صحيح سنن أبي داود ١/٣٦٥.
ومما يدل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة ولم يذبحه في المدينة ولا في غيرها كما ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس) رواه مسلم وغير ذلك من الأحاديث وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مئة ناقة كما روى البخاري بإسناده عن ابن أبي ليلى أن علياً رضي الله عنه حدثه قال أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فأمرني بلحومها فقسمتها ثم أمرني بجلالها فقسمتها ثم بجلودها فقسمتها) . وبهذا يظهر لنا أن محل ذبح الهدي هو مكة ومنى فقط فكل من ذبح خارج حدود الحرم فلا يجزئه وكذا من وكَّل بذبح الهدي في بلده فلا يجزئه ذلك ويجب عليه أن يذبح في الحرم
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية برئاسة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله [محل الهدي الحرم المكي، فيجب ذبح جميع الهدي التمتع والقران في داخل الحرم، ولا يجوز الذبح في بلد الحاج غير مكة، إلا إذا عطب الهدي المهدى إلى مكة قبل وصوله إليها، فإنه يذبحه في مكانه، ويجزئ عنه، وكذلك في المحصر عن دخول الحرم، ينحر هديه حيث أحصر] فتاوى اللجنة الدائمة ١١/٣٨٠ -٣٨١.
وخلاصة الأمر أن الواجب على الحاج الذي يلزمه الهدي أن يذبحه في الحرم ومنى من الحرم ومن ذبح هديه خارج الحرم كأن يذبحه في بلده فلا يصح ذلك ويلزمه أن يرسل بدلاً منه إلى الحرم ليذبح هناك وأخيراً فإن على من يفتي الناس أن يتق الله في فتواه ولا يفتي بغير علم فإن ذلك ضلال وإضلال.