[١٩٠ - دية المرأة نصف دية الرجل]
يقول السائل: إن أحد المدرسين استنكر أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل واعتبر أن هذا القول غير صحيح فما قولكم في ذلك؟
الجواب: إن بعض الناس يحاول أن يظهر أنه من أنصار المرأة والمدافعين عن حقوقها ويجعله ذلك يتمسك بما هو أوهى من بيت العنكبوت في الاحتجاج لما يراه من أحكام يزعم أن فيها نصرة للمرأة ولا يتسع المقام للرد على أمثال هؤلاء وبيان ما أعطاه الإسلام للمرأة في جميع جوانب الحياة.
والمسلم الصادق لا ينخدع بالدعوات الزائفة التي تدعو لنصرة المرأة والتخلي عن الأحكام الشرعية المنصوصة في حق المرأة كإعطاء الأنثى نصف ميراث الذكر ونحو ذلك من الأحكام.
وأما بالنسبة لدية المرأة فيجب أن يعلم أولاً أن العلماء قد بينوا أن الرجل يقتل بالمرأة إن قتلها عمداً وأما إن قتلت المرأة خطأً فإن ديتها على النصف من دية الرجل وهذا باتفاق أهل العلم إلا من شذ ولا عبرة بالأقوال الشاذة التي يحاول بعض الناس نفخ الروح فيها وأنّى لهم ذلك!!
قال الحافظ ابن عبد البر: [أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل] الاستذكار ٢٥/٦٣.
وقال الإمام القرطبي: [وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل قال أبو عمر - يعني ابن عبد البر -: إنما صارت ديتها والله أعلم على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو في دية الخطأ وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء لقوله عز وجل: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... الخ] تفسير القرطبي ٥/٣٢٥.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي معلقاً على قول الخرقي: [ودية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم. قال ابن المنذر وابن عبد البر أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل] المغني ٨/٤٠٢.
وهذا قول الأئمة الأربعة وأتباعهم وعلماء السلف والخلف ونقل عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف فصار إجماعاً، الحاوي الكبير ١٢/٢٨٩.
وقد شذّ الأصم وابن علية فقالا دية المرأة كدية الرجل وتابعهما على ذلك بعض المعاصرين كالمالكي في نظام العقوبات ص ١٢١.
ومما يدل على قول جماهير أهل العلم ما رواه الشافعي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قوَّم دية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل] رواه الشافعي في الأم ٦/٩١-٩٢ والبيهقي في السنن ٨/٩٥.
وقد ذكر عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عدة روايات عن الصحابة تفيد أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، انظر مصنف عبد الرزاق ٩/٣٩٣-٣٩٧، مصنف ابن أبي شيبة ٩/٢٩٩-٣٠٢، سنن البيهقي ٨/٩٥-٩٦.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن شريح القاضي عن عمر رضي الله عنه قال: [ ... دية المرأة على النصف من دية الرجل] مصنف ابن أبي شيبة ٩/٣٠٠، وقال الشيخ الألباني: إسناده صحيح. إرواء الغليل ٧/٣٠٧.
وقد رويت بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ولكنها غير ثابتة ولكن ثبوت تنصيف دية المرأة عن عدد من الصحابة ونقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك يكفي في ثبوت هذا الحكم لأن مثل هذا الأمر لا يعرف إلا توقيفاً لأنه من المقدرات التي لا مجال للعقل فيها فيكون له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة أن عدداً كبيراً من الفقهاء والأئمة قالوا بذلك كسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري وعطاء ومكحول والليث وابن شبرمة وهو قول الأئمة الأربعة كما سبق. انظر فقه عمر في الجنايات ٢/٤٧٤، فتح باب العناية ٣/٣٤٨.
وأما حجة من شذ فخالف فقد قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وحكي عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل لقوله عليه الصلاة والسلام: (في النفس المؤمنة مئة من الإبل) وهذا قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم] المغني ٨/٤٠٢.
وأما ما استدل به المالكي في نظام العقوبات ص ١٢١-١٢٢ من العمومات التي تسوي بين الذكر والأنثى في الدية فغير مسلّم لأن هذه النصوص مخصوصة يخصصها إجماع الصحابة الذي نقله العلماء ولم يعرف لهم مخالف والإجماع يخصص عموم الكتاب والسنة كما قال الأصوليون.
قال الآمدي: [لا أعرف خلافاً في تخصيص القرآن والسنة بالإجماع ودليله المنقول والمعقول أما المنقول فهو إن إجماع الأمة خصص آية القذف بتنصيف الجلد في حقّ العبد كالأمة وأما المعقول فهو أن الإجماع دليل قاطع والعام غير قاطع في آحاد مسمياته ... فإذا رأينا أهل الإجماع قاضين بما يخالف العموم في بعض الصور علمنا أنهم ما قضوا به إلا وقد اطلعوا على دليل مخصص له نفياً للخطأ عنهم وعلى هذا فمعنى إطلاقنا أن الإجماع مخصص للنص أنه معرّ ف للدليل المخصص لا أنه في نفسه هو المخصص] الإحكام للآمدي ٢/٣٢٧. وانظر إرشاد الفحول ص ١٦٩، شرح الكوكب المنير ٣/٣٦٩.
وأما قول المالكي: [ ... إن الذين يقولون إن دية المرأة نصف دية الرجل لا يوجد لهم دليل صحيح ... ] فكلامه غير صحيح وليس عنده إلا العمومات وقد قام الدليل على تخصيصها بالإجماع كما سبق بيانه.
?????