للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٣٠ - من البدع في الصلاة]

السؤال: أعطاني أحد طلبة العلم نشرات وزعت في بعض المساجد باسم نشرات فقهية وتضمنت إحداها كلاماً حول لفظ السيادة في الصلاة الإبراهيمية أي زيادة لفظ " سيدنا "، وطلب مني بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

الجواب: قرأت هذه النشرة وغيرها مما وزع في بعض المساجد وقبل الجواب التفصيلي عن السؤال أقول: إن هذه النشرات غفل عن ذكر اسم الفقيه!!! الذي كتبها والفقه لا يؤخذ عن النكرات والمجاهيل، فلا بد من معرفة كاتب هذه النشرات لنعرف هل هو من أهل هذا الشأن أم لا؟ إن الفقه له أهله ورجاله وليس من أهله ولا رجاله طلبة العلم المبتدئون ولا الدراويش الذين لا يعرفون ألف باء الفقه، أما أن تسود الصفحات وتنشر ويكذب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم الفقه فهذا منكر من القول وزور. بعد هذا أعود إلى المسألة المتعلقة بزيدة لفظ " سيدنا " في الصلاة الإبراهيمية فأقول: من المعلوم عند أهل العلم أن الأصل في العبادات هو التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري وغيره، وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم الصلاة وكيفيتها وهيئتها وأذكارها ونقل الصحابة رضي الله عنهم ذلك لمن بعدهم ومن ضمن ما نقلوه الصلاة الإبراهيمة في التشهد ولم يثبت في أي حديث من الأحاديث الواردة في ذلك زيادة لفظ " سيدنا " مع أن هذه الأحاديث كثيرة العدد فلم يرد في أي منها زيادة لفظ " سيدنا " لذلك يجب الاقتصار على الألفاظ النبوية كما وردت في الصلاة الإبراهيمية ولا يجوز زيادة لفظ " سيدنا " في الصلاة.

ويجب أن يعلم أن ما جاء في النشرة المشار إليها أن: [رعاية الأدب خير من الامتثال] كلام مغلوط بل إن كمال الأدب هو في الامتثال لأن من كان متؤدباً مع غيره يكون ممتثلاً لكلامه وهذا حال المسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن التزم بهديه صلى الله عليه وسلم فهو في غاية الأدب معه صلى الله عليه وسلم. كما ينبغي أن يعلم أننا عندما نقول لا تجوز زيادة لفظ " سيدنا " في الصلاة الإبراهيمية فهذا لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو سيدنا بل هو سيدنا صلى الله عليه وسلم. ولكن في العبادة لا بد من الاتباع ولو فتح باب الزيادة في العبادة بهذه الحجة وهي احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره لكان ينبغي زيادة لفظ " سيدنا " في الأذان وفي الإقامة فلا فرق بين الصلاة وبين الأذان والإقامة فكلها عبادات. فهل يقول هؤلاء أن نزيد لفظ سيدنا في الأذان فنقول: [أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله] ولو كان هذا الاحترام مشروعاً بهذه الزيادة لسبقنا إليها من هم أشد احتراماً وحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء أعني الصحابة رضوان الله عليهم. إذا ثبت هذا فأقول إن أهل الفقه وأهل العلم الحقيقين وليس الأدعياء قد قرروا أنه لا تجوز زيادة لفظ " سيدنا " لا في الصلاة الإبراهيمية ولا في الأذان ولا في الإقامة وهذا لا يتنافى مع تقدير النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه لأن احترامه صلى الله عليه وسلم يكون باتباعه والتزام سنته صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة الشيخ الألباني بعد كلام طويل حول المسألة وأنه لم يثبت في شيء من الأحاديث زيادة لفظ السيادة قال: [والمسألة مشهورة في كتب الفقه والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم " سيدنا " ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها والخير كله في الاتباع والله أعلم. قلت - الألباني -: وما ذهب إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله من عدم مشروعية تسويده صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه اتباعاً للأمر الكريم هو الذي عليه الحنفية وهو الذي ينبغي التمسك به لأنه الدليل الصادق على حبه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) سورة آل عمران الآية ٣١. ولذلك قال الإمام النووي في الروضة: وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صلى على محمد ... الخ ... فلم يذكر فيه السيادة!] صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص ١٥٥. وقال الشيخ الدكتور بكر أبو زيد حفظه الله: [من استقرأ صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الواردة لم يجد فيها لفظ السيادة لا داخل الصلاة ولا خارجها ومن استقرأ أحاديث الأذان لم يجدها في ذكر الشهادة بأن محمداً رسول الله. والمحدثون كافة في كتب السنة لا يذكرون لفظ السيادة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استقرأ جماعة من المحققين ومنهم الحافظ ابن حجر كما نقله عنه السخاوي في " القول البديع "، والقاسمي في " الفضل المبين في شرح الأربعين " للعجلوني إذ قرر رحمه الله تعالى أن لفظ السيادة لم يثبت في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا في الشهادة له بالرسالة صلى الله عليه وسلم وأنها داخل الصلاة لا تشرع لعدم التوقيف بالنص وأما خارجها فلا بأس] معجم المناهي اللفظية ص ٣٠٤-٣٠٥. ثم نقل عن الفضل المبين ما يلي: [سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أو خارج الصلاة سواء قيل بوجوبها أو بندبها هل يشترط فيها أن يصفه صلى الله عليه وسلم بالسيادة بأن يقول مثلاً: صل على سيدنا محمد، أو على سيد الخلق أو سيد ولد آدم؟ أو يقتصر على قوله: اللهم صل على محمد؟ وأيهما أفضل: الإتيان بلفظ السيادة، لكونها صفة ثابتة له صلى الله عليه وسلم أو عدم الاتيان لعدم ورود ذلك في الآثار؟ فأجاب رضي الله عنه: نعم اتباع الألفاظ المأثورة أرجح ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم كما لم يكن يقول عند ذكره صلى الله عليه وسلم: وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك وهذا الإمام الشافعي - أعلى الله درجته - وهو من أكثر الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه: اللهم صل على محمد إلى آخر ما أداه إليه اجتهاده وهو قوله: كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون وكأنه استنبط ذلك من الحديث الصحيح الذي فيه سبحان الله عدد خلقه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم المؤمنين ورأها قد أكثرت التسبيح وأطالته: (لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت لوزنتهن. وذكر ذلك وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع في الدعاء) ] معجم المناهي اللفظية ص ٣٠٥-٣٠٦.

وقال الشيخ العلامة القاسمي: [رأيت أيام رحلتي إلى بيت المقدس من يقيم الصلاة وأحياناً يؤم بالقوم وكالة فيزيد لفظ " سيدنا " في قوله أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله. فقلت له بعد الصلاة: لم تزيد هذه اللفظة وهي سيدنا وليست مشروعة في الإقامة؟ فقال لي: هذه مسألة كان وقع فيها نزاع بين علماء القدس ويافا - يعني أحدثها مبتدع - فمن قائل ينبغي الاقتصار في ألفاظ الأذان والإقامة على الوارد دون زيادة ومن قائل تستحب زيادة سيدنا عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثم اشتد النزاع وتراسلوا وكاد الأمر يفضي إلى تجاوز الحد والآن نحن نقولها اتباعاً لمن استحبها وقطعاً للقالة فيها. فقلت: يا أخي إن ألفاظ الأذانيين مأثورة متعبد بها رويت بالتواتر خلفاً عن سلف في كتب الحديث الصحاح والحسان والمسانيد والمعاجم ولم يرو أحد قط استحباب هذه الزيادة عن صحابي ولا تابعي بل ولا فقيه من فقهاء الأمة ولا أتباعهم وهذه كتبهم بين أيديكم وأنتم تقلدونهم ولا تخالفونهم فما هذا الابتداع وليس تعظيمه صلوات الله عليه بزيادة ألفاظ في عبارات مشروعة لم يسنها هو ولم يستحبها خلفاؤه الراشدون مما يرضاه صلوات الله عليه لأن لكل مقام مقالاً على أنه ثبت أنه نهى من خاطبه بقوله: يا سيدنا وابن سيدنا، روى النسائي بإسناد جيد عن أنس ? أن ناساً قالوا: (يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا. فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) ] والحديث صححه الشيخ الألباني في تخريجه، إصلاح المساجد من البدع والعوائد ص ١٣٨-١٣٩.

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز إضافة لفظة " سيدنا " في الصلاة الإبراهيمية في التشهد ولا في الأذان ولا في الإقامة، لأن هذه عبادات والأصل في العبادات الاتباع.

<<  <  ج: ص:  >  >>