[٢١ - دعوة الناس يوم القيامة بآبائهم وليست بأمهاتهم]
السؤال الأول: يقول السائل: سمعت حديثاً ينص على أن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم فهل ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أفيدونا؟
الجواب: روي في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً من الله عز وجل عليهم) وهذا الحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ٣/٢٤٨ والسيوطي في اللآلئ المصنوعة ٢/٤٤٩ وقال العجلوني:[أخرجه ابن عدي عن أنس وقال منكر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات.] كشف الخفاء ٢/٣٩٤. وبهذا يظهر لنا أن الحديث المذكور حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك أي أن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم فقد روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان) وقال الحافظ ابن حجر: [حديث ابن عمر في الغادر يرفع له لواء لقوله فيه (غدرة فلان ابن فلان) فتضمن الحديث أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم ... وقال ابن بطال: في هذا الحديث ردٌ لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم ستراً على آبائهم. قلت: هو حديث أخرجه الطبراني من حديث ابن باس وسنده ضعيف جداً , وأخرج ابن عدي من حديث أنس مثله وقال: منكر أورده في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري. قال ابن بطال: والدعاء بالآباء أشد في التعريف وأبلغ في التمييز. وفي الحديث جواز الحكم بظواهر الأمور. قلت: وهذا يقتضي حمل الآباء على من كان ينسب إليه في الدنيا لا على ما هو في نفس الأمر وهو المعتمد] فتح الباري١٠/٦٩١. وقال الشيخ ابن القيم: [الفصل العاشر في بيان أن الخلق يدعون يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم هذا الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره فقال في صحيحه باب يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم ثم ساق في الباب حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع الله لكل غادر لواء يوم هذه غدرة فلان بن فلان) وفي سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم) فزعم بعض الناس أنهم يدعون بأمهاتهم واحتجوا في ذلك بحديث لا يصح وهو في معجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات أحد ما إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله الحديث وفيه فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال فلينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء) قالوا وأيضا فالرجل قد لا يكون نسبه ثابتاً من أبيه كالمنفي باللعان وولد الزنى فكيف يدعى بأبيه؟ والجواب أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث، وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه فإنه يدعى بما يدعى به في الدنيا فالعبد يدعى في الآخرة بما يدعى به في الدنيا من أب أو أم والله أعلم] تحفة المودود ص ١٣٩. وقال الشيخ ابن القيم في موضع آخر: [وفي هذا الحديث – حديث أبي الدرداء -: رد على من قال: إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتهم , لا آبائهم وقد ترجم البخاري في صحيحه لذلك فقال " باب يدعى الناس بآبائهم " وذكر فيه حديث نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الغادر يرفع له لواء يوم القيامة؟ يقال له: هذه غدرة فلان بن فلان ". واحتج من قال بالأول. بما رواه الطبراني في معجمه من حديث سعيد بن عبد الله الأودي قال " شهدت أبا أمامة - وهو في النزع - قال: إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره , فليقم أحدكم على رأس قبره , ثم ليقل يا فلان بن فلانة , فإنه يسمعه ولا يجيبه , ثم يقول: يا فلان بن فلانة فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله - فذكر الحديث - وفيه فقال رجل يا رسول الله , فإن لم يعرف أمه , قال: فلينسبه إلى أمه حواء فلان بن حواء ". ولكن هذا الحديث متفق على ضعفه فلا تقوم به حجة فضلا عن أن يعارض به ما هو أصح منه.) وحديث التلقين الذي ورد في كلام العلامة ابن القيم السابق احتج به من يرى أن الميت يدعى بأمه ففيه (يا فلان بن فلانة) فهذا الحديث ورد عن جابر بن سعيد الأزدي قال: (دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي: يا أبا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصنع بموتانا فإنه قال: إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: يا فلان ابن فلانة! فإنه يستوي قاعداً فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول أرشدني رحمك الله فليقل: اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له: ما نصنع عند رجل لقن حجته؟ فيكون الله حجيجهما دونه) قال الشيخ الألباني: منكر. أخرجه القاضي الخلعي في الفوائد ٢/٥٥. قلت - أي الألباني -: [وهذا إسناد ضعيف جداً لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن. قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال البيهقي: واهٍ منسوب إلى الوضع. والحديث أورده الهيثمي ... وقال: رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم] ثم ذكر الشيخ الألباني أن الأئمة النووي وابن الصلاح والحافظ العراقي قد ضعفوا الحديث. السلسلة الضعيفة ٢/٦٤-٦٥. ونقل ابن علان قول الحافظ ابن حجر بعد تخريج حديث أبي أمامة:[هذا حديث غريب وسند الحديثين من الطريقين ضعيف جداً] الفتوحات الربانية على الأذكار النووية ٤/١٩٦. وقال الصنعاني:[ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله] سبل السلام ٢/٢٣٤. وورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال (أتدرون ما هذان الكتابان) ؟ فقلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله، قال (هذا كتاب رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم.....) الحديث رواه أحمد والترمذي والنسائي والطبراني وابن عاصم وغيرهم، وقال الشيخ الألباني حديث حسن. وهذا الحديث يدل على أن الناس يدعون بآبائهم يوم القيامة. وخلاصة الأمر أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم كما صحت الأحاديث بذلك ولا يدعون بأمهاتهم. وعلى المسلم أن يستعد لليوم الآخر بالعمل الصالح فإن إستعد بالعمل الصالح فلا يؤثر عليه إن دعي بأبيه أو أمه.