يقول السائل: الأجر على قدر المشقة عبارة تتردد على الألسن كثيراً فما مدى صحة ذلك؟
الجواب: إن الإسلام دين اليسر والتخفيف والرحمة ومن مقاصده رفع الحرج عن المكلفين ودفع الأذى عنهم ويدل على ذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. يقول الله تعالى:(مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . ويقول أيضاً:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . ويقول تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا) رواه البخاري. وقال رسول صلى الله عليه وسلم أيضاً:(إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري عندما بعثهما إلى اليمن:(يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) رواه البخاري. والآيات والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب والخلاصة أن الإسلام قرر قاعدة رفع الحرج عن المكلفين ودفع المشقات عنهم ولكن المشقة قد تكون مشقة لا تنفك عن التكاليف الشرعية أي ملازمة لها وهذه لا بد منها إذ لا يكاد ذلك يخلو من مشقة ولو كانت قليلة، والتاكليف الشرعية لا تخلو عادةً من مثل هذه المشقات فمثلاً الصوم فيه نوع من المشقة وخاصةً إذا وقع في أشهر الصيف الحارة والوضوء فيه مشقة وخاصةً إذا كان الماء البارد أيام الشتاء، والحج فيه مشقة وهكذا بقيت التكاليف الشرعية فيها نوع من المشقة ولكن هذه المشقة محتملة وغير مقصودة في ذاتها ولكن لما يترتب عليها من المصالح تماماً كالطبيب الذي يعطي المريض الدواء المر الذي فيه شفاؤه فإن الطبيب لا يقصد إيذاء المريض بذلك الدواء المر ولكن يقصد ما يترتب عليه من الشفاء. وكذلك الشارع يقصد ما يترتب على تلك المشقة من مصالح تعود على المكلف بالنفع العظيم. وهنالك نوع من المشقة الشديدة وغير المحتملة وهذه لم تقع في التكاليف الشرعية وبالتالي لا يجوز للمكلف أن يوقعها على نفسه مثل صوم الوصال والصيام قائماً في الشمس والحج ماشياً ونحو ذلك فهذه مشقات صعبة وشديدة على النفس ولم يرد التكليف الشرعي بها بل نهى الشارع الحكيم عن التشديد على النفس. يقول صلى الله عليه وسلم (خذوا من الأعما ما تطيقون) رواه البخاري ومسلم. وقال عليه الصلاة والسلام:(هلك المتنطعون) رواه مسلم. والمتنطع: هو المشدد على نفسه في غير موطن الشدة. وهذه المشقة الشديدة إذا أوقع المكلف نفسه فيها قيعتبر عمله غير مشروع ولا أجر له على ذلك لأن الأجر يكون على قدر الشمقة إذا كانت المشقة لازمة للتكاليف الشرعية. وأما إذا كانت المشقة غير لازمة لها فلا يصح للمكلف أن يجلبها على نفسه ظاناً أن ذلك طريقة للأجر والثواب لأن هذا المسلك مخالف للسنة وفيه تعذيبٌ للنفس وعناءٌ لها وهذا غير مقصود للشارع بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك. فقد ورد في الحديث أنه بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فإذا برجلٍ قائم في الشمس فسأل عنه فقالوا إنه أبو اسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ويصوم ولا يتكلم فقال (مروه فليستظل وليقعد وليتكلم وليتم صومه) رواه البخاري. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادي بين ابنيه فقال:(ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي، قال: إن الله عن تعذيب نفسه لغني وأمره أن يركب) رواه البخاري ومسلم. وقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا حبلٌ ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا؟ فقالوا: حبل لزينب فإذا فترت تعلقت به. فقال عليه الصلاة والاسلام: حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد) رواه البخاري، وغير رذلك من الأحاديث. ففي هذه الأحاديث جلب الصحابة على أنفسهم مشقات غير مقصودة للشارع، فالشرع لا يطلب من الصائم أن يقف في الشمس طول النهار ولا يطلب من الحاج أن يمشي على قدميه إلى بيت الله الحرام ولا يطلب منه أن يشدد على نفسه ويحملها فوق طاقتها فهذه مشقات لا أجر فيها ولا ثواب عليها. فلا يجوز للمكلف أن يوقع نفسه فيها ولا يكون الأجر على قدر المشقة إلا إذا كانت المشقة لا تنفك عن التكاليف الشرعية.