للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[١٩٠ - صلاة الجمعة]

يقول السائل: إننا نشاهد أكثر المصلين يوم الجمعة وبعد الإنتهاء من الآذان يقومون فيصلون ركعتين يسمونها سنة الجمعة القبلية فهل ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: إن قوام هذا الدين في أمرين:

١. ألا يعبد إلا الله.

٢. أن لا يعبد الله إلا بما شرع.

ولقد قرر علماء الإسلام أن الأصل في العبادات التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن في أمورنا مأمورون باتباعه والاقتداء به. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وكل ما يتعلق بها وعلم الصحابة كيف يصلون وصلى أمامهم وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري. إني أقر جازماً أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سن لأمته ركعتين تسميان سنة الجمعة القبلية فلم يثبت ذلك عنه قولاً ولا فعلاً ولم يرد في سنة الجمعة القبلية حديث صحيح صريح وإنما وردت بعض الأحاديث التي لا يعول عليها ولا يحتج بها. ولا بد من الرجوع إلى هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة وكيف كان يفعل حتى نرى هل سن لأمته سنة قبل الجمعة أم لا. قال العلامة ابن القيم: [وكان إذا فرغ بلال من الآذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين ولم يكن الآذان إلا واحداً وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقى المنبر أخذ بلال في آذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل وهذا رأي عين فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الآذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة] . زاد المعاد في هدي خير العباد ١/٤٣١ - ٤٣٢.

ومن المعلوم كما أشار ابن القيم أن الآذان يوم الجمعة كان واحداً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنه كان عند جلوس النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر وكذلك الأمر في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه زاد لآذان الثاني وعلى هذا يدل حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: (كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثاني على الزوراء) رواه البخاري. فما دام أن الأذان كان واحداً وأن الأذان يكون عندما يجلس الإمام على المنبر ومن المتفق عليه عند العلماء أن الصلاة النافلة تنقطع بمجرد جلوس الإمام على المنبر إلا من كان في صلاة فيخففها أو من كان داخلاً إلى المسجد فيصلي ركعتين خفيفتين. فمتى كانوا يصلون السنة القبلية؟ قال الحافظ العراقي: [لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل الجمعة لأنه كان يخرج إليها فيؤذن بين يديه ثم يخطب] نيل الأوطار ٣/٣٨٩. وقال الحافظ بن حجر: [وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء] فتح الباري ٣/ ٦١.

وأما ما ورد في بعض الأحاديث من إشارة إلى سنة الجمعة القبلية فهي أحاديث باطلة أو ضعيفة لا تقوم بها الحجة فمنها ما جاء عن عائشة رضي الله عنه: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي قبل الجمعة ركعتين في بيته) فهذا حديث باطل مكذوب. ومنها حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام: (كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعاً) وهذا حديث ضعيف بهذا السياق ومنها أنه عليه الصلاة والسلام: (كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً) وهذا ضعيف جداً. وهنالك أحاديث أخرى ضعيفة تكلم عليها الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٣/٧٣. قال الشيخ ناصر الدين الألباني بعد أن ذكر بعض الأحاديث الواهية في سنة الجمعة القبلية ما نصه: [ولهذا كان جماهير الأمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة مؤقتة بوقت مقدرة بعدد لأن ذلك يثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسن في ذلك شيئاً لا بقوله ولا بفعله وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأكثر الصحابة وهو مشهور في مذهب أحمد] . وقال الحافظ العراقي: [ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها] الأجوبة النافعة ص ٣٠-٣٢. وقال الحافظ المناوي في فيض القدير: [ولذلك لم يرد لهذه السنة المزعومة ذكر في كتاب " الأم " للإمام الشافعي ولا في " المسائل " للإمام أحمد ولا عند غيرهما من الأئمة المتقدمين] . وبعد هذه الجولة القصيرة يظهر لنا جلياً أنه لم يثبت عن رسول الله عليه وسلم سنة قبلية للجمعة وإنما الثابت عنه السنة بعد الجمعة فقط. وينبغي ألا يعتز بكثرة الفاعلين لما يسمى بالسنة القبلية فإن هذه القضية من العبادات والأصل فيها كما ذكرت ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من دليل صحيح يحتج به وأما كثرة الفاعلين لها فلا دليل معهم فلا عبرة بفعلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>