يقول السائل: تقام الجمعة في بلدتهم في مسجدين كبيرين وقد بني حديثاً مسجد ثالث لا يبعد كثيراً عن أحد المسجدين والذي يتسع لأعداد كبيرة من المصلين ويرغب المصلون في إقامة صلاة الجمعة في المسجد الجديد فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إن صلاة الجمعة بمثابة مؤتمر أسبوعي يحضره المسلمون في البلد عامة ولها أحكامها الخاصة بها ولا يصح إلحاقها بالصلوات الخمس فيقال بجواز تعدد الجمعة كما تتعدد الجماعة في الصلوات الخمس. بل الصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجمعة يجوز التعدد فيها إذا دعت الحاجة إلى ذلك فقط كأن يضيق المسجد بأهل البلدة فيبنى مسجد آخر فتقام فيه الجمعة أو يكون هناك حرج في وصول المصلين إلى المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة فتقام جمعة أخرى أو يكون البلد واسعاً مترامي الأطراف وسكانه كثيرون فتتعدد الجمعة لذلك وهذا مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم من الفقهاء. قال الإمام النووي:[والصحيح هو الجواز في موضعين أو أكثر بحسب الحاجة وعسر الاجتماع به] المجموع ٤/٥٨٦. ومما يدل على ذلك أنه كان في المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مساجد تقام فيها الصلوات الخمس كالمسجد الذي كان معاذ بن جبل يصلي فيه بقومه صلاة العشاء بعد أن يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ما كانت تقام الجمعة إلا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن تعدد الجمعة بدون الحاجة خلاف السنة. وقد ذكر الشيخ تقي الدين السبكي في رسالته المسماة " الاعتصام بالواحد الأحد من إقامة جمعتين في بلد " أقوال أهل العلم في المسألة وأدلتهم ورجح القول بعدم جواز تعدد الجمعة إلا للحاجة ثم قال: [وأما تخيل أن ذلك - أي تعدد الجمعة - يجوز في كل المساجد عند عدم الحاجة فهذا من المنكر بالضرورة في دين الإسلام] فتاوى السبكي ١/١٨٠. وقد جاء عن عمر بن الخطاب ما يؤيد منع تعدد الجمعة فقد روى ابن عساكر عن عطاء قال:[لما افتتح عمر بن الخطاب البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً ويتخذ للقبائل مسجداً فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة فشهدوا الجمعة] . وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك. وكتب عمر أيضاً إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك. وكان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الجمعة من مسافة بعيدة فقد كان عبد الله بن رواحة يأتي الجمعة من مسافة ميلين وكان أبو هريرة يأتي الجمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة " آبار علي ". وذكر الحافظ ابن حجر:[قال الأثرم للإمام أحمد بن حنبل: أجُمِعَ جمعتان في مصر؟ قال لا أعلم أحداً فعله] انظر إصلاح المساجد ص ٥٢-٥٤. وقد بين الإمام السبكي أن قول من قال من العلماء بجواز تعدد الجمعة لا يحمل على تعددها مطلقاً وإنما يكون ذلك للحاجة إلى التعدد فقال:[وينبغي أن يفهم أن مذهبه هذا عند الحاجة لأنه إنما تكلم في ذلك فيتقيد بحسب الحاجة ولا يحمل على إجازة تعددها مطلقاً في كل المساجد فتصير كالصلوات الخمس حتى لا يبقى للجمعة خصوصية فإن هذا معلوم بطلانه بالضرورة لاستمرار عمل الناس عليه من النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم] فتاوى السبكي ١/١٧٩. وقال الشيخ القاسمي:[فالذي أراه في الخروج من عهدة هذه الحالة أن يترك التجميع في كل مسجد صغير - سواء أكان بين البيوت أو في الشوارع - وفي كل مسجد كبير أيضاً يستغنى عنه بغيره وأن ينضم كل أهل محلة كبرى إلى جامعها الأكبر ولتفرض كل محلة كبرى كقرية على حدة فيستغنى بذلك عن كثير من زوائد المساجد ويظهر الشعار في تلك الجوامع الجامعة فيخرج من عهدة التعدد] إصلاح المساجد من البدع والعوائد ص ٦٢. وخلاصة الأمر أنه يجوز تعدد الجمعة لحاجة وهذا يوافق مقاصد الشرع الحنيف قال تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) سورة الحج الآية ٧٨. والحاجة كالضرورة تقدر بقدرها فلا ينبغي تعدد الجمعة بدون حاجة لما في ذلك من تفويت مقاصد الجمعة وحكمة مشروعيتها.