يقول السائل: يدّعي بعض الناس معالجة المرضى، عن طريق استخدام الجن وقراءة القرآن على الماء أو على بعض الأشربة، وكذلك القراءة على بعض الأدوات كالموسى، فما قولكم في ذلك؟
الجواب: لقد كثر في زماننا هذا الذين يدَّعون العلاج بالقرآن الكريم، والذين يدَّعون أنهم يتعاملون مع الجن في معالجة المرضى، وأكثر هؤلاء من الدجالين والمشعوذين الذين يستغلون جهل الناس وضعف المرضى، فيبتزونهم ويأخذون منهم الأموال الكثيرة بغير حق ويرتكبون مخالفات شرعية كثيرة، ولا بد من توضيح الأمور التالية: ١ - إذا مرض الإنسان فعليه مراجعة الأطباء أهل الاختصاص، لأن الله تعالى خلق الداء والدواء، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله) رواه مسلم. ٢ - إن العلاج بالقرآن والرقية بآياته من الأمور المشروعة، يقول الله سبحانه وتعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) سورة الإسراء /٨٢. وروى الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه -، أن رهطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحدكم شيء، فقال بعضهم: نعم والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحهم على قطيع من الغنم فانطلق فجعل يتفل ويقرأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ) حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: أقسموا، فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال:(وما يدريك أنها رقية، أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم) . وثبت في الحديث الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذتين) رواه مسلم. ٣ - لا ينبغي لأحد من الناس أن يتفرغ لعلاج الناس بالرقى القرآنية أو بالأذكار الواردة، والإعلان عن نفسه بأنه المعالج بالقرآن والبديل الشرعي لفك السحر ومس الجان والعين والعقم والأمراض المستعصية، أو يعلن عن نفسه العيادة القرآنية، ويوزع الكروت، ويحدد المواعيد كالأطباء المختصين، لأن ذلك ليس من منهج الصحابة والتابعين والصالحين، ولم يكن معروفاً مثل هذا التفرغ عندهم مع أن الناس لا زالوا يمرضون على مر العصور والأزمان، ولأن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ويلج منه الدجالون والمشعوذون وأمثالهم. ٤ - لا بأس بقراءة آيات من القرآن الكريم على إناء فيه ماء، ثم يشربه المريض ويغتسل به قال ابن القيم:" ورأى جماعة من السلف أن يكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ومثله عن أبي قلابة ". ٥ - إن مس الجن للإنسان ثابت، وقد قامت الأدلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواقع يؤيد ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك، فقد كذب على الشرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك " مجموع الفتاوى ٢٤/٢٧٦. ويكون العلاج من صرع الجن للإنسان بقراءة الآيات القرآنية والأوراد النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ٦ - لا يجوز اللجوء لأي إنسان يدعي المعالجة بالقرآن أو أنه يستطيع إخراج الجن من المصروع إلا بعد التأكد أن هذا الشخص من الصالحين الملتزمين بكتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يتبع الطرق المشروعة في الرقية والعلاج ولا يستخدم شياطين الجن الذين لا يخدمونه إلا إذا وقع في المحرمات. وكذلك فإن بعض هؤلاء المعالجين يستخدمون الطلاسم في المعالجة، أو يذكرون كلاماً غير مفهوم المعنى، فهذا لا يجوز استعماله. *****