للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٣ - بداية وقت الأضحية ونهايته]

يقول السائل: متى يبدأ وقت ذبح الأضحية ومتى ينتهي؟

الجواب: يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد دخول وقت صلاة الضحى، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي. وهذا قول الشافعية والحنابلة، وبه قال ابن المنذر وداود الظاهري والطبري، ويرى الحنابلة أيضاً أن يكون الذبح بعد صلاة الإمام وخطبته خروجاً من الخلاف. المغني ٩/٤٥٢، المجموع ٨/٣٨٧. ويدل على ذلك ما يلي: ١. حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا، نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء) رواه البخاري ومسلم. ٢. وفي رواية أخرى عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نحر فقال: (لا يضحين أحدٌ حتى يصلي. قال رجل: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم. قال: فضح بها ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك) رواه مسلم. ٣. وفي رواية ثالثة قال البراء رضي الله عنه: (ذبح أبو بردة قبل الصلاة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبدلها ... الخ) رواه البخاري ومسلم. ٤. وفي رواية رابعة عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يذبحن أحد حتى يصلي) رواه مسلم. ٥. وفي رواية خامسة عن البراء رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فلا يذبح حتى ينصرف) رواه البخاري. ٦. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر: (من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله ...) رواه البخاري ومسلم. قالوا إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة. قال الحافظ ابن حجر معلقاً على الرواية الخامسة من حديث البراء رضي الله عنه: [تمسك به الشافعية في أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة، وإنما شرطوا فراغ الخطيب، لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة في هذه العبادة فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين على أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية سواء صلَّى العيد أم لا وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، ويستوي في ذلك أهل المص والحاضر والبادي ...... قال القرطبي: ظواهر الأحاديث تدل على تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعي أن من لا صلاة عيد عليه مخاطب بالتضحية حمل الصلاة على وقتها] فتح الباري ١٢/١١٧-١١٨. وظاهر الأحاديث السابقة اعتبار نفس الصلاة فيبدأ وقت الأضحية بعد الصلاة في حق من يصلي العيد، وأما من لا يصلي العيد كأهل البوادي , فأول وقتها في حقهم مضي قدر الصلاة والخطبتين بعد الصلاة، لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الاعتبار بقدرها. انظر المغني ٩/ ٤٥٢. وبناءً على ما تقدم فإن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة، إن صليت صلاة العيد كما كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد طلوع الشمس وارتفاعها بمقدار رمح أو رمحين، سواء صلَّى مريدُ الأضحية العيد أم لم يصل، وسواء كان من أهل البوادي أو الحضر، وسواء ذبح الإمام أو لم يذبح، وفي زماننا هذا حيث إنه لا إمام للمسلمين، فلا يرتبط أمر الأضحية بفعل الحكام الموجودين ولا أرى التفريق بين أهل البوادي والحضر، لعموم الأحاديث الواردة كحديث أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) رواه البخاري.

وأما آخر وقت ذبح الأضحية فهو غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، أي أن أيام النحر أربعة؛ يوم العيد وثلاثة أيام بعده، وهذا أرجح أقوال العلماء في المسألة وهو قول الشافعية ونقل هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام، وهو قول عطاء والحسن والأوزاعي ومكحول واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني انظر المغني ٩/٤٥٣، المجموع ٨/٣٩٠، زاد المعاد ٢/٣١٨، نيل الأوطار ٥/١٤٢. قال الإمام الشافعي: [فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ثم ضحى أحد فلا ضحية له] الأم٢/٢٢٢.. ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل فجاج مكة منحر، وكل أيام التشريق ذبح) رواه أحمد وابن حبان وصححه ورواه البيهقي والطبراني في الكبير والبزار والدراقطني وغيرهم. وقال البيهقي: وهو مرسل. وذكر له طرقاً متصلة، ولكنها ضعيفة كما قال إلا أنه قال أيضاً إن حديث جبير أولى أن يقال به. سنن البيهقي ٩/٢٩٥-٢٩٨. وقال الهيثمي: [رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال: (وكل فجاج مكة منحر) ورجاله موثقون] مجمع الزوائد ٣/٢٥١. وقال الحافظ ابن حجر: [أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات] فتح الباري ١٢/١٠٣ وذكره السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة وأقره المناوي فيض القدير ٥/٣٥. وقال الشيخ الألباني: صحيح كما في صحيح الجامع الصغير ٢/٨٣٤. وقال الشيخ أحمد الغماري: [فحديث جبير بن مطعم، رواه أحمد والبزار والطبراني وابن حبان في الصحيح، والبيهقي عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل عرفات موقف، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح) اختصره البيهقي فاقتصر على ذكر أيام التشريق منه، وهو حديث حسن، وإن كان سند أحمد وقع فيه انقطاع. أما الاختلاف الواقع من سليمان بن موسى، فمحمول على أنه سمعه من عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم، وسمعه من نافع بن جبير عن أبيه أيضاً، ومن محمد بن المنكدر عن جبير، فهو لم يخرج بالحديث عن جبير الذي تعدد من حدثه به، وهو ثقة فالحديث حسن أو صحيح كما قال ابن حبان] الهداية في تخريج أحاديث البداية ٤٠٣-٤٠٤. واحتجوا بأن هذا القول قد نقل عن علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز، فقد روى البيهقي بإسناده عن ابن عباس قال: الأضحى ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وروى أيضاً عن الحسن وعطاء قالا: يُضَحَّى إلى آخر أيام التشريق. وروى أيضاً عن عمر بن عبد العزيز قال: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده. سنن البيهقي ٩/٢٩٦-٢٩٧. ومما يؤيد هذا القول أن تفسير الأيام المعلومات في قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) سورة الحج الآية ٢٨. بأنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده مروي عن ابن عباس وابن عمر وإبراهيم النخعي، وإليه ذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه. .تفسير ابن كثير ٣/ ٢١٦-٢١٧ أضواء البيان ٥/٣٤٤. وكذلك فإن هذا القول منقول عن جماعة من الصحابة منهم علي وابن عباس وابن عمر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. ومنقول عن جماعة من التابعين منهم الحسن وعطاء وبه قال عمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وكان أحد أئمة أهل الشام في العلم.

وخلاصة الأمر أن وقت الأضحية يبدأ بعد انتهاء صلاة العيد والخطبة وينتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق وهو رابع أيام العيد كما هو معروف بين الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>