للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥٥ - الضمان في حوادث السيارات]

يقول السائل: سائق سيارة كان يسوق سيارته على طريق سريع يُمنع فيه سير المشاة فقفز رجل فجأةً أمام السيارة فصدمته فلقي حتفه، وقررت الشرطة أن الرجل المتوفى يتحمل المسؤولية، فهل على السائق كفارة؟ أفيدونا. الجواب: قرر الفقهاء أن كفارة القتل تابعة للضمان فإذا كان الشخص ضامناً في حالة القتل فتلزمه الكفارة وأما إذا لم يكن ضامناً فلا كفارة عليه.

وينبغي أولاً أن ننظر هل هذا السائق ضامن أم لا؟ والذي يظهر من السؤال أن السائق لا دور له في موت الشخص المذكور، حيث إن الشخص المذكور قد ألقى بنفسه أمام السيارة بشكل مفاجئ للسائق، وبالتالي لا حيلة للسائق لمنع وقوع الحادث وقد قرر الفقهاء في القاعدة الفقهية (أن كل ما لا يمكن التحرز منه فلا ضمان فيه) ، حيث إن السائق المذكور لا يمكنه التحرز من الحادث، لأن الشخص الآخر هو الذي ألقى بنفسه أمام السيارة ولم يتمكن السائق من فعل أي شيء للحيلولة دون حصول الحادث فإذا لم يمكنه تفادي الحادث بأي وسيلة من الوسائل فلا ضمان عليه فلا دية، ولا كفارة عليه. ودم الميت هدر، لأنه أشبه بالمنتحر.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: [قال الفقهاء: إذا كان الاصطدام بسبب قاهر أو مفاجئ كهبوب الريح أو العواصف فلا ضمان على أحد، وإذا كان الاصطدام بسبب تفريط أحد رباني السفينتين أو قائدي السيارتين كان الضمان عليه وحده، ومعيار التفريط – كما يقول ابن قدامة - أن يكون الربان – وكذلك القائد - قادراً على ضبط سفينته أو سيارته أو ردِّها عن الأخرى فلم يفعل، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل، أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرها.] الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٨/٢٩٣.

وقد بحث المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي موضوع حوادث السيارات وقرر فيه ما يلي: [إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن في بروناي دار السلام من ١- ٧ محرم ١٤١٤هـ الموافق ٢١- ٢٧ حزيران (يونيو) ١٩٩٣م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع حوادث السير، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، بالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم، واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة،

قرر ما يلي:

أولاً: أ- إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجبٌ شرعاً، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.

ب – مما تقتضيه المصلحة أيضاً سنّ الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي، لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يُعرّض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذاً بأحكام الحسبة المقررة.

ثانياً: الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية:

أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.

ب – إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة.

ج - إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.

ثالثاً: ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء.

رابعاً: إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال.

خامساً: أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرِطاً.

ب – إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍّ.

ج – إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة عليهما على السواء، والله أعلم] مجلة المجمع الفقهي عدد ٨، جزء٢ ص ١٧١.

وقد نص قرار المجمع الفقهي على أن السائق يعفى من المسؤولية في الحالات الآتية:

[أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.

ب – إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة.

ج - إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.] وما جاء في البندين ب + ج ينطبق على الحالة التي نحن بصددها فلا ضمان على السائق ولا كفارة عليه.

وقد قرر الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمة الله عليه هذا الحكم في رسالته عن أحكام حوادث السيارات فقال: [والقسم الثاني من الإصابة بحوادث السيارات أن تكون في غير الركاب – أي ركاب السيارة التي أصابت المتوفى - وهذا القسم له حالان:

الحال الأولى: أن يكون بسبب من المصاب لا حيلة لقائد السيارة فيه، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: مثل أن تقابله سيارة في خط سيره لا يمكنه الخلاص منها أو يفاجئه شخص برمي نفسه أمامه لا يمكنه تلافي الخطر. ففي هذه الحال لا ضمان على قائد السيارة، لأن المصاب هو الذي تسبب في قتل نفسه أو إصابته، وعلى قائد السيارة المقابلة الضمان لتعديه بسيره في خط ليس له حق السير فيه.] أحكام حوادث السيارات عن شبكة الإنترنت.

وخلاصة الأمر أن السائق المذكور في السؤال لا ضمان عليه فلا دية ولا كفارة، ولكن إن تصدق بشيء من المال تطوعاً فهو أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>