للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٥ - عم الزوج ليس من محارم الزوجة]

تقول السائلة: إنها قد اختلفت مع زوجها في الظهور أمام عمه بدون حجاب فزوجها يقول إنها محرمة على عمه فيجوز أن تجلس معه بدون جلباب وأنه لا فرق بين عمها وعمه وتقول الزوجة إن عم زوجها أجنبي عليها وليس كعمها. فما قولكم في ذلك؟

الجواب: لا شك أن عم الزوج أجنبي على زوجته وكذا خال الزوج أجنبي على زوجته وهذا باتفاق أهل العلم بلا خلاف في ذلك وإذا كانا أجنبيين فيحرم على الزوجة أن تكشف أمام عم زوجها وخاله وإن ظهرت أمامهما فتظهر بلباسها الشرعي قال الله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة النور الآية ٣١. ففي الآية الكريمة ذكر الله تعالى من يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم وهم محارمها من النسب، ويحرم عليها أيضاً مثلهم من الرضاع لما ثبت في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) رواه البخاري ومسلم. وليس من هؤلاء عم الزوج ولا خاله. وأما عم المرأة وخالها فهما من المحارم فيجوز إبداء الزينة لهما وإن لم يذكرا في الآية السابقة وهذا مذهب جماهير أهل العلم

قال الإمام القرطبي [والجمهور على أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم. وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب على ما تقدم. وعند الشعبي وعكرمة ليس العم والخال من المحارم. وقال عكرمة: لم يذكرهما في الآية لأنهما ينعتان لأبنائهما.] تفسير القرطبي ١٢/٢٣٣.

وقال الشيخ ابن كثير [وقد روى ابن المنذر حدثنا موسى يعني ابن هارون حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا داود عن الشعبي وعكرمة في هذه الاَية {ولا يبدبن زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن} حتى فرغ منها وقال لم يذكر العم ولا الخال لأنهما ينعتان لأبنائهما ولا تضع خمارها عند العم والخال.] تفسير ابن كثير ٤/٥٤٠. وما ذهب إليه الشعبي وعكرمة من التابعين قول مرجوح والراجح مذهب جماهير أهل العلم بأن العم والخال يجوز إبداء الزينة لهما. وقد أجاب أهل العلم على عدم ذكر أعمام المرأة وأخوالها في الآية الكريمة بما يلي:

قالوا إن الأعمام والأخوال يندرجون تحت قوله تعالى في الآية السابقة: {أو آبائهن} فإنهم بمنزلة الآباء وقد ورد إطلاق الأب على العم كما في قوله تعالى {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} سورة البقرة الآية ١٣٣ ومن المعلوم أن إسماعيل عليه السلام هو عم يعقوب عليه السلام وقد جعله الله تعالى من آباء يعقوب

قال الألوسي: [ولم يذكر سبحانه الأعمام والأخوال مع أنهم كما قال الحسن وابن جبير كسائر المحارم في جواز إبداء الزينة لهم، قيل لأنهم في معنى الإخوان من حيث كون الجد سواء كان أب الأب أو أب الأم في معنى الأب فيكون ابنه في معنى الأخ ... وقيل لم يذكروا اكتفاء بذكر الآباء، فإنهم عند الناس بمنزلتهم، ولا سيما الأعمام وكثيراً ما يطلق الأب على العم ... ] تفسير الألوسي٩/٣٣٧-٣٣٨.

وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وأما العباس فهي عليَّ ومثلها معها ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه) رواه مسلم

قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (عم الرجل صنو أبيه) أي مثل أبيه , وفيه تعظيم حق العم.] شرح النووي على صحيح مسلم

وورد في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي ثم قال [وفي الحديث قصة طويلة وهذا حديث صحيح] وأصل الحديث في الصحيحين.

وقال الإمام الكاساني: [لِأَنَّ الْعَمَّ يُسَمَّى أَباً وَكَذَلِكَ الْخَالُ وَزَوْجُ الْأُمِّ , قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {قَالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} وَإِسْمَاعِيلُ كَانَ عَمَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَدْ سَمَّاهُ أَبَاهُ , وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} وَقِيلَ: إنَّهُمَا أَبُوهُ وَخَالَتُهُ وَإِذَا كَانَتْ الْخَالَةُ أُمَّاً كَانَ الْخَالُ أَباً] بدائع الصنائع ٥/٥٠٤.

ومما يدل على جواز إبداء الزينة للأعمام والأخوال قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} سورة النساء الآية ٢٣.

وقد قال العلماء: هنالك تلازم بين المحرمية المؤبدة وبين إبداء الزينة فبما أن المرأة تحرم على التأبيد على عمها وخالها فيجوز لها إبداء الزينة لهما.

وقال الشيخ السعدي عند تفسير قوله تعالى {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} سورة الأحزاب الآية ٥٥ ما نصه [لما ذكر أنهن لا يسألن متاعاً إلا من وراء حجاب، وكان اللفظ عاماً لكل أحد احتيج أن يستثنى منه هؤلاء المذكورون، من المحارم، وأنه {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} في عدم الاحتجاب عنهم. ولم يذكر فيها الأعمام، والأخوال، لأنهن إذا لم يحتجبن عمن هن عماته ولا خالاته، من أبناء الإخوة والأخوات، مع رفعتهن عليهم، فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن، من باب أولى، ولأن منطوق الآية الأخرى، المصرحة بذكر العم والخال مقدمة على ما يفهم من هذه الآية.] تفسير السعدي ص ٦٧١.

وختاماً ينبغي التنبيه على أمرين: أولهما إن عم الأب وخاله محرمان على بناته وكذلك عم الأم وخالها محرمان على بناتها.

وثانيهما: إن نظر العم والخال جائز في حال أمن الفتنة والشهوة وأما مع النظر بشهوة فيحرم النظر من المحارم. وكذلك فإن العم والخال لا ينظران من المرأة إلا إلى ما يظهر منها غالباً.

وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْءَابَائِهِنَّ أَوْءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ... ) على أقوال كثيرة أرجحها: أنه يجوز للمحارم أن ينظروا من المرأة إلى مواضع الزينة وإلى ما يظهر غالباً عند الخدمة كالرأس والشعر والعنق والخد والساعد والكف والساق والركبة وهذه الأعضاء يجوز النظر إليها إذا كان النظر بدون شهوة

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما] المغني ٧/٩٨.

وخلاصة الأمر أن عم الزوج وخال الزوج أجنبيان على الزوجة بخلاف عم الزوجة وخالها فهما من محارمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>