تقول السائلة: هل كفارة الظهار واجبة على الترتيب أو على التخيير؟
الجواب: الظهار عند الفقهاء هو تشبيه الزوج زوجته أو جزءً منها بامرأة محرمة عليه على التأبيد. والظهار من الأمور المحرمة شرعاً وهو كبيرة من الكبائر لأن الله سبحانه وتعالى نص على أنه منكر من القول وزور. فقال الله تعالى:(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) سورة المجادلة الآيتان ١-٢. قال الشيخ ابن حجر المكي: [الكبيرة السادسة والثمانون بعد المائتين قال تعالى:: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) وحكمة (مِنْكُمْ) توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار لأنه كان من أيمان الجاهلية خاصة دون سائر الأمم (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) أي ما نساؤهم بأمهاتهم حتى يشبهوهن بهن إذ حقيقة الظهار أن يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو نحو نحوها (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أي ما أمهاتهم إلا والداتهم أو من في حكمهن كالمرضعة (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) أي شيئاً من القول منكراً وزوراً أي بهتاناً وكذباً إذ المنكر ما لا يعرف في الشرع والزور والكذب (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) إذ جعل الكفارة مخلصة لهم من هذا القول المنكر والزور لا يقال المظاهر إنما شبه زوجته بنحو أمه فأي منكر وزور فيه لأنا نقول: إن قصد به الإخبار فواضح أنه منكر وكذب أو الإنشاء فكذلك لأنه جعله سبباً للتحريم والشرع لم يجعله كذلك وهذا غاية في قبح المخالفة وفحشها ومن ثم اتجه بذلك كون الظهار كبيرة لأن الله تعالى سماه زوراً والزور كبيرة كما يأتي ويوافق ذلك ما نقل عن ابن عباس من أن الظهار من الكبائر] الزواجر عن اقتراف الكبائر ٢/١١٤. وكفارة الظهار هي المنصوص عليها في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّاذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة المجادلة الآيتان ٣-٤. وكفارة الظهار واجبة على الترتيب باتفاق أهل العلم أي أن المظاهر يبدأ أولاً بعتق رقبة فإن لم يجد يصوم ستين يوماً فإن لم يستطع وكان عاجزاً عن الصيام يطعم ستين مسكيناً. قال القرطبي:[ذكر الله عز وجل الكفارة هنا مرتبة فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة وكذلك لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم] تفسير القرطبي ١٨/٢٨٥. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إن كفارة المظاهر القادر على الإعتاق عتق رقبة لا يجزئه غير ذلك بغير خلاف علمناه بين أهل العلم والأصل في ذلك قوله تعالى:: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) إلى قوله: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته: (يعتق رقبة قلت: لا يجد قال: فيصوم) وقوله لسلمة بن صخر مثل ذلك فمن لم يجد رقبة يستغنى عنها أو وجد ثمنها فاضلاً عن حاجته ووجدها به لم يجزئه إلا الإعتاق لأن وجود المبدل إذا منع الانتقال إلى البدل كانت القدرة على ثمنه تمنع الانتقال كالماء وثمنه يمنع الانتقال إلى التيمم] المغني ٨/٢١-٢٢. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي أيضاً: [أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة أن فرضه صيام شهرين متتابعين وذلك لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) وحديث أوس بن الصامت وسلمة بن صخر وأجمعوا على أن من وجد رقبة فاضلة عن حاجته فليس له الانتقال إلى الصيام] المغني ٨/٢٤-٢٥. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي أيضاً: [أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة ولم يستطع الصيام أن فرضه إطعام ستين مسكيناً على ما أمر الله تعالى في كتابه وجاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع فإن أوس بن الصامت لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيام قالت امرأته: (يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكيناً) ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: (وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم) فنقله إلى الإطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام وقسنا على هذين ما يشبههما في معناهما ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض وإن كان مرجو الزوال لدخوله في قوله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ولأنه لا يعلم أن له نهاية فأشبه الشبق ولا يجوز أن ينتقل لأجل السفر لأن السفر لا يعجزه عن الصيام وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية] المغني ٨/٢٩. ونقل الشوكاني إجماع أهل العلم على أن كفارة الظهار واجبة على الترتيب. نيل الأوطار ٦/٢٩٢. وهو قول المذاهب الأربعة انظر الموسوعة الفقهية ٣٥/١٠٤-١٠٥. ويدل على وجوبها على الترتيب أيضاً ما ورد في حديث خولة بنت مالك قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: (اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل القرآن: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) إلى الفرض فقال: يعتق رقبة قالت: لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكيناً قالت: ما عنده من شيء يتصدق به قالت: فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قلت يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر قال قد أحسنت إذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك] رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/٤١٨. ويدل على وجوب الترتيب أيضاً ما ورد في حديث سلمة بن صخر البياضي لما ظاهر من امرأته وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم:[أنت بذاك يا سلمة؟ قلت أنا بذاك يا رسول الله - مرتين - وأنا صابر لأمر الله فاحكم في ما أراك الله قال: حرر رقبة قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال: فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام؟ قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين مالنا طعام قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السعة وحسن الرأي وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والحاكم وصححه وابن خزيمة وقال الألباني: حسن. المصدر السابق ٢/٤١٧. إذا تقرر هذا فإن كفارة الظهار واجبة على الترتيب ومن قال إنها واجبة علىالتخيير فهو مخطئ وقوله مخالف لصريح الكتاب والسنة ومخالف لما اتفق عليه أهل العلم كافة.